للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طالبيه إلى ترك القيام بالأعمال جملةً، ورأوا أنَّها علل قاطعة عنه! واشتدَّ نكير الشيوخ والأئمة عليهم حتَّى قال شيخ الطائفة الجنيد (١) رحمه اللَّه: إنَّ الذي يزني ويسرق خيرٌ من هؤلاء (٢).

وهم نوعان: نوعٌ جرَّدوا (٣) الفناء في شهود الحكم وهو الحكم القدري، ورأوا أنَّه نهاية التوحيد، فآل بهم استغراقهم فيه إلى اطّراح الأسباب، حتى قال قائلهم: العارف لا يعرف معروفًا ولا ينكِر منكرًا لا ستبصاره بسرّ اللَّه في القدر (٤). والنوع الثاني أصحاب تجريد الفناء في الإرادة (٥). فجرَّدوا الفناءَ في الإرادة تجريدًا آل بهم إلى ترك الأسباب جملةً.

والطائفتان منحرفتان ضالَّتان خارجتان عن العلم والدين. ولهذا قال لهم شيخ القوم الجنيد: "عليكم بالفرق الثاني". (٦) يعني أنَّ الفرق فرقان: فوق بالطبع والهوى، وهو الفرق الذي شهدوه وفرُّوا منه إلى معنى الجمع. ولكن بعد الجمع فرق ثانٍ، وهو الفرق بالأمر والمحبة، لا بالشهوة والطبع. وهو دين الرسل صلوات اللَّه عليهم وسلامه، فإنَّ


(١) "ب": "الجنيد شيخ الطائفة".
(٢) ذكره السلمي في طبقات الصوفية (١٥٩) وعنه أبو نعيم في الحلية (١٠/ ٢٩٦). وانظر: مدارج السالكين (٢/ ١٢٥).
(٣) "ف": "شهود الفناء". والظاهر أنّ كلمة "شهود" في الأصل مضروب عليها.
(٤) سبق في ص (١٨٤).
(٥) "ط": "والإرادة"، وكذا فيما بعد. وهو خطأ.
(٦) وانظر: مدارج السالكين (١/ ٣٢٣) و (٢/ ١٣٦)، وقد تكلَّم شيخ الإسلام على هذا الفرق في عدة مواضع من كتبه. انظر مثلًا: الرد على البكري (٢/ ٧٤٦، ٧٥٤)، منهاج السنة (٥/ ٣٦٩)، الرد على المنطقيين (٥١٩).