للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأبطلوا مسمَّيات هذه الأسماء جملةً، وقالوا: إنَّ ما في الشريعة من المصالح والحِكَم لم يشرع الربُّ سبحانه ما شرع من الأحكام لأجلها، بل اتفق اقترانُها بها أمرًا اتفاقيًّا، كما قالوا نظيرَ ذلك في المخلوقات سواءً، والعلل عندهم أمارات محضة لمجرد الاقتران الاتفاقي.

وهم فريقان: أحدهما لا يعرّجون على المناسبات ولا يثبتون العلل بها البتة، وإنَّما يعتمدون على تأثير العلة بنص أو إجماع، فإن فقدوا فزِعوا إلى الأقيسة الشبَهية.

والفريق الثاني أصلحوا المذهبَ بعض الإصلاح، وقرّبوه بعض الشيء، وأزالوا تلك النفرة عنه، فأثبتوا الأحكامَ بالعلل، والعللَ بالمناسبات والمصالح، ولم يمكنهم (١) الكلامُ في الفقه إلا بذلك، ولكن جعلوا اقترانَ أحكام تلك العلل والمناسبات بها اقترانًا عاديًّا غيرَ مقصود في نفسه، والعللَ وَالمناسبات أماراتِ ذلك الاقتران.

وهؤلاء يستدلون على إثبات علم الرب تعالى بما في مخلوقاته من الإحكام والإتقان والمصالح، وهذا تناقضٌ بيِّن (٢) منهم، فإنَّ ذلك إنَّما يدلُّ إذا كان الفاعل يقصد أن يفعلَ الفعلَ على وجهٍ مخصوص لأجل الحكمة المطلوبة منه. وأمَّا من لم يفعل لأجل ذلك الإحكام والإتقان، وإنَّما اتفق اقترانُه بمفعولاته عادةً، فإنَّ ذلك الفعل لا يدلُّ على العلم. ففي أفعال الحيوانات من الإحكام والإتقانِ والحِكَم ما هو معروفٌ لمن تأمله، ولكن لمَّا لم تكن تلك الحكم والمصالح مقصودةً لها لم تدل على


(١) "ن": "لم يلتئم"، تحريف.
(٢) "ف": "من مذهبهم"، كذا، وهو تحريف.