للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩)} [الحشر/ ٩]. فأخبر تعالى أنَّ إيثارهم إنَّما هو بالشيء الذي إذا وُقِي الرجلُ الشحَّ به كان من المفلحين. وهذا إنَّما هو فضول الدنيا (١)، لا الأوقات المصروفة في الطاعات؛ فإنَّ الفلاح كلّ الفلاح في الشحّ بها، فمن لم يكن شحيحًا بوقته تركه الناس على الأرض عريانا (٢) مفلسًا؛ فالشح بالوقت هو عمارة القلب وحفظ رأس ماله.

وممَّا يدلُّ على هذا أنَّه سبحانه أمر بالمسابقة في أعمال البرّ، والتنافس فيها، والمبادرة إليها؛ وهذا ضدّ الإيثار بها. قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران/ ١٣٣] وقال: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة/ ١٤٨] وقال: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (٢٦)} [المطففين/ ٢٦]. وقال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو يعلمُ الناسُ ما في النداء والصفّ الأوَّل لكانت قُرْعةً" (٣). والقرعة إنَّما تكون عند التزاحم والتنافس، لا عند الإيثار. فلم يجعل الشارع الطاعات والقربات محلًّا للإيثار، بل محلًّا للتنافس والمسابقة، ولهذا قال الفقهاء: "لا يستحبّ الإيثار بالقربات".


(١) "ف": "من فضول الدنيا"، خلاف الأصل. وفي حاشية "ب": "لعله: في" يعني: "في فضول. . .".
(٢) "ك، ط": "عِيانًا".
(٣) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة (٤٣٩) عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه. وليس فيه ذكر النداء ولفظه: "لو تعلمون -أو يعلمون- ما في الصفّ المقدم لكانت قرعة". والنداء في حديثه الآخر الذي أخرجه البخاري في الأذان (٦١٥) وغيره ومسلم في الصلاة (٤٣٧) ولفظه: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلّا أن يستهموا عليه لاستهموا".