للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليَّ، وانقطعت أوصالهم من محبَّتي. يا داود، هذه إرادتي في المدبرين عنِّي، فكيف إرادتي في المقبلين عليّ؟ (١)

قالوا: وهذا الذي تقتضيه الحقيقة، وإن لم يرد به لفظ صريح، فالمعنى حقّ (٢)، فإنَّ كلَّ محبّ فهو مشتاق إلى لقاءِ محبوبه.

قالوا: وأمَّا قولكم إنَّ الشوق إنَّما يكون إلى غائب، وهو سبحانه لا يغيب عن عبده، ولا يغيب العبد عنه؛ فهذا حضور العلم. وأمَّا اللقاء والقرب فأمرٌ آخر. فالشوق يقع بالاعتبار الثاني، وهو قرب الحبيب ولقاؤه، والدنو منه، وهذا له أجل مضروب لا ينال قبله. قال تعالى: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ} [العنكبوت/ ٥]. قال أبو عثمان الحيري (٣): هذا تعزية للمشتاقين، معناه: إنِّي أعلم أن اشتياقكم إليَّ غالب، وأنا أجّلتُ للقائكم أجلًا، وعن قريب يكون وصولكم إلى من تشتاقون إليه (٤).

والصواب أن يقال: إطلاق اللفظ (٥) متوقّف على السمع، ولم يَرِدْ به، فلا ينبغي إطلاقه. وهذا كلفظ "العشق" أيضًا، فإنَّه لمَّا لم يرِدْ به سمعٌ فإنَّه يمتنع إطلاقه عليه سبحانه. واللفظ الذي أطلقه سبحانه على


(١) القشيرية (٣٣٢)، إحياء علوم الدين (٤/ ٣٢٦).
(٢) "ب": "ظاهر".
(٣) أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الحيري -نسبة إلى الحيرة، قرية من قرى نيسابور- وأصله من الري. صحب أبا حفص النيسابوري وأخذ عنه طريقته. ومنه انتشرت طريقة التصوف في نيسابور. مات سنة ٢٩٨ هـ. طبقات الصوفية (١٧٠).
(٤) القشيرية (٣٣٢).
(٥) "ك، ط": "إطلاقه".