للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك إذا شهد مشهدَ القيومية الجامع لصفات الأفعال، وأنَّه قائم على كل شيء، وقائم على كل نفس بما كسبت (١)؛ وأنَّه تعالى هو القائم بنفسه، المقيمُ لغيره، القائم عليه بتدبيره وربوبيته وقهره وإيصال جزاءِ المحسن إليه وجزاءِ المسيء إليه؛ وأنَّه لكمال (٢) قيوميَّته لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يُرفَع إليه عملُ الليل قبل النَّهار وعملُ النَّهار قبل الليل، لا تأخذه سِنةٌ ولا نوم، ولا يضلّ ولا ينسى. وهذا المشهد من أرفع (٣) مشاهد العارفين، وهو مشهد الربوبية.

وأعلى منه مشهد الإلهية الذي هو مشهد الرسل وأتباعهم الحنفاءِ. وهو شهادة أن لا إله إلا هو، وأنَّ إلهية ما سواه باطل ومحال، كما أنَّ ربوبية ما سواه كذلك، فلا أحد سواه يستحق أن يؤلَّه ويُعبَد، ويُصلَّى له ويُسجَد. ويستحقُّ نهاية الحبّ مع نهاية الذل لكمال أسمائه وصفاته وأفعاله، فهو المطاع وحده على الحقيقة، والمألوه وحده، وله الحكم وحده. فكلُّ عبوديةٍ لغيره باطلةٌ وعناءٌ وضلال، وكلُّ محبة لغيره عذاب لصاحبها، وكلُّ غنًى بغيره (٤) فقرٌ وفاقة، وكلُّ عزٍّ بغيره ذلّ وصغار، وكلُّ تكثّر بغيره قلَّة وذلَّة. فكما استحال أن يكون للخلق ربّ غيره، فكذلك يستحيل (٥) أن يكون لهم إله غيره، فهو الذي انتهت إليه الرغبات، وتوجهت نحوه الطلبات.


(١) "بما كسبت" ساقط من "ك، ط".
(٢) "ك، ط": "بكمال".
(٣) "ن": "أعلى".
(٤) "ك، ط": "لغيره"، تحريف.
(٥) "ط": "استحال".