للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أمثلة من الغلط في علل المقامات، ونقد كلام ابن العريف]

المثال الأوَّل: الإرادة، فإنَّ اللَّه جعلها من منازل صفوة عباده وأمر رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يصبر نفسَه مع أهلها، فقال: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف/ ٢٨]. وقال تعالى: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (١٩) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (٢٠)} [الليل / ١٩ - ٢٠]. وقال تعالى حكاية عن أوليائه قولهم: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} [الإنسان/ ٩] وهذه (١) لام التعليل الداخلة على الغايات المرادة، وهي كثيرٌ في القرآن (٢).

فقالت طائفة: "الإرادة حلية العوامّ، وهي تجريد القصد، وجزم النية، والجدّ في الطلب. وذلك (٣) في طريق الخواصّ: نقص، وتفرُّق (٤)، ورجوع إلى النفس. فإنَّ إرادة العبد عينُ حظّه، وهو رأس الدعوى. وإنَّما الجمع والوجود فيما يراد بالعبد لا فيما يريد، كقوله تعالى: {وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس/ ١٠٧]، فيكون مراده ما يراد به، واختياره ما اختير له، إذ لا إرادة للعبد مع سيّده ولا نظر. كما قال:

أريدُ وصالَه ويريد هَجري ... فأتركُ ما أريدُ لِما يُريد (٥)


= العريف في كتابه المذكور على كتاب علل المقامات للشيخ زكريا الأنصاري الهروي، كما ذكر شيخ الاسلام ابن تيمية. انظر: مجموع الفتاوى (١٠/ ٣٥).
(١) "ب، ك": "هو" تحريف "ط": "هي".
(٢) خلافًا لمن زعم أن القرآن خلو من لام التعليل وباء التسبيب. انظر ما سبق في ص (٢٣٥).
(٣) زاد في "ط" بعد "ذلك": "غيره"!
(٤) "نقص و" ساقط من "ط".
(٥) البيت لابن المنجم الواعظ المعرّي المتوفى سنة ٥٥٧ هـ. انظر: فوات الوفيات =