للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في ذلك -صلى اللَّه عليه وسلم- (١). فالواجب التمييز بين المراتب وإعطاءُ كلّ ذي حقٍّ حقَّه، فقد جعل اللَّه لكلِّ شيءٍ قدرًا.

وإن أردتم بالتفرّق شتات القلب في شعاب الحظوظ وأودية الهوى، فهذه الإرادة لا تستلزم شيئًا من ذلك، بل هي جمعيّة (٢) القلب على المحبوب وعلى محابّه ومراداته. ومثل هذا التفرّق هو عين البقاءِ، ومحض العبودية، ونفس الكمال. وما عداه فمحض حظّ العبد، لاحقّ محبوبه.

الوجه السادس: أنَّ قوله: "الإرادةُ (٣) رجوعٌ إلى النفس، وإنَّ إرادةَ العبد عينُ حظّه" كلام فيه إجمال وتفصيل. فيقال: ما تريدون بقولكم: إنَّ الإرادة رجوع إلى النفس؟ أتريدون (٤) أنَّها رجوع عن إرادة الربّ وإرادة محابّه إلى إرادة النفس وحظوظها، أم تريدون أنَّها رجوع إلى إرادة النفس لربّها ولمرضاته؟ فإن أردتم الأوَّل عُلِمَ أنَّ هذه الإرادة معلولة ناقصة فاسدة، ولكن ليست هذه الإرادة التي نتكلم فيها، وإن أردتم المعنى الثاني فهو عين الكمال، وإنَّما النقصان خلافه.

الوجه السابع: أنَّ قولكم: "إنَّ هذه الإرادة عين حظّ العبد"، قلنا: نعم، وهي أكبر حظّ له وأجلّه وأعظمه. وهل للعبد حظّ أشرف من أن يكون اللَّه وحده إلهه ومعبودَه ومحبوبَه ومراده؟ فهذا هو الحظّ الأوفر والسعادة العظمى. ولكن لم قلتم إنَّ اشتغال العبد بهذا الحظّ


(١) في "ط" قدَّم الصلاة والسلام على "في ذلك".
(٢) "ف": "جعبه". كذا كتب ناسخها لعدم تمكنه من قراءة الكلمة.
(٣) "ك، ط": "إنَّ الإرادة".
(٤) "أتريدون" ساقط من "ب".