للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا جاءَ الأمر جاءت الإرادة والاختيار، والسعي والجِدّ (١) واستفراغ الفكر وبذل الجهدِ. فهو قويّ حيّ فعَّال، يشاهد عبودية مولاه في أمره، فهو متحرك فيها بظاهره وباطنه، قد أخرج مقدوره من القوَّة إلى الفعل. وهو مع ذلك مستعين بربِّه، قائمٌ بحوله وقوته، ملاحظ لضعفه وعجزه، قد تحقَّق بمعنى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)} [الفاتحة/ ٥]، فهو ناظرٌ بقلبه إلى مولاه الذي حرَّكه، مستعين به في أن يوفّقه لما يحبّه ويرضاه، عينُه في كلِّ لحظة شاخصةٌ إلى حقّه المتوجّه عليه لربِّه، ليؤديه في وقته على أكمل أحواله.

فإذا وردت عليهم أقدارُه التي تصيبهم بغير اختيارهم قابلوها بمقتضاها من العبودية، وهم فيها على مراتب ثلاثة:

أحدها (٢): الرضا عنه فيها والمزيد من حبه والشوق إليه. وهذا ينشأ (٣) من مشاهدتهم للطفه فيها وبرّه وإحسانه العاجل والآجل، ومن مشاهدتهم (٤) حكمتَه فيها ونصبَها سببًا لمصالحهم، وسَوقهم (٥) بها إلى حبّه (٦) ورضوانه. ولهم في ذلك (٧) مشاهد أُخر لا تسعها العبارة، وهي فتح من اللَّه على العبد لا يبلغه علمه ولا عمله.


(١) "ط": "الجدّ والسعي".
(٢) كذا في الأصل وغيره. وانظر ما سبق في ص (٧٩) وفي "ط": "إحداها".
(٣) "ط": "نشأ".
(٤) "للطفه فيها. . . " إلى هنا ساقط من "ب".
(٥) "ب، ك، ط": "شوقهم".
(٦) "ب": "فيها إلى جنته".
(٧) "ط": "من ذلك".