للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجدوا في جنب ما شاهدوا. . ." إلى آخر كلامه.

فيقال: هذا الكلام ونحوه من رعونات النفس، ومن الشطحات التي يجب إنكارها. فمن الذي جعل وعبد اللَّه وعدًا، وعقابه ثوابًا، وعَذابه عَذْبًا؟ وهل هذا إلا إنكار لوعيده وعذابه في الحقيقة؟ وأيّ عذاب أشدّ من عذابه، نعوذ باللَّه منه؟ قال تعالى: {وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (٢)} [الحج/ ٢]. وقال: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (٢٦)} [الفجر/ ٢٥ - ٢٦]. وهذا أظهر في كلِّ ملَّة من أن يحتاج إلى الاستدلال عليه. وإنَّما ينسب هذا المذهب للملاحدة (١) من القائلين بوحدة الوجود، كما قال قائلهم:

ولم يبق إلا صادقُ الوعد وحدَه ... فما لوعيد الحقّ عينٌ تُعاينُ

وإن دخلوا دارَ الشقاءِ فإنَّهم ... على لذَّةٍ فيها نعيمٌ مُباينُ

نعيمُ جِنان الخلد والأمر واحد ... وبينهما عند التجلِّي تبايُنُ (٢)

يسمَّى عذابًا من عُذوبة طعمه ... وذاك له كالقشر، والقشر صائنُ (٣)

فهذا القائل خطّ على تلك النقطة التي نقطها أبو العبَّاس، ولعلَّ الكلامين من مشكاة واحدة. وهذا مباين للمعلوم بالاضطرار من دين الرسل، وما أخبرت به عن اللَّه، وأخبر به على لسان


(١) "ب، ك، ط": "إلى الملاحدة".
(٢) هذا البيت في "ط" آخر الأبيات.
(٣) أنشدها ابن عربي في فصوص الحكم. انظر: شرحه لصائن الدين (٣٩٦ - ٣٩٩). ومن الفصوص نقلها شيخ الإسلام في الصفدية (٢٤٦) والمؤلِّف في حادي الأرواح (٤٨٩).