للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أصبحتُ منفعلًا لما تختاره ... منِّي ففعلي كلُّه طاعاتُ! (١)

ويقول أحدهم: إبليس وإن عصى الأمر، لكنَّه أطاع الإرادة! يعني أنَّ فعله طاعة للَّه من حيث موافقة إرادته. وهذا انسلاخ من ربقة العقل والدين، وخروج عن الشرائع كلّها؛ فإنَّ الطاعة إنَّما هي موافقة الأمر الديني الذي يحبّه اللَّه ويرضاه. وأمَّا دخوله تحت القدر الكوني الذي يبغضه ويسخطه ويكفّر فاعلَه ويعاقبه، فهي المعصية والكفر ومعاداته ومعاداة دينه. ولا ريب أنَّ المسرفين على أنفسهم، المنهمكين في الذنوب والمعاصي، المعترفين بأنَّهم عصاة مذنبون = أقربُ إلى اللَّه من هؤلاء العارفين المنسلخين عن دين الأنبياء كلّهم، الذين لا عقل لهم ولا دين! فنسأل اللَّه أن يثبِّت قلوبنا على دينه.

أمَّا البيت الذي استشهد به فهو من أبياب لأبي الشِّيص (٢) يقول (٣) فيها:

وقفَ الهوى بي حيثُ أنتِ فليس لي ... متأخَّرٌ عنه ولا متقدَّمُ

وأهنتِني فأهنتُ نفسي جاهدًا ... ما مَن يهون عليك ممن يُكرَمُ (٤)

أشبهتِ أعدائي فصِرتُ أحبُّهم ... إذ كان حظِّي منك حظِّي منهمُ

أجدُ الملامَةَ في هواكِ لذيذةً ... حُبًّا لذكركِ فَلْيَلُمْني اللُّوَّمُ


(١) "تختاره" كذا في الأصل هنا، وفي غيره: "يختاره"، والبيت للنجم ابن إسرائيل، وقد سبق في ص (٥٥).
(٢) الخزاعي، من طبقة أبي نواس ومسلم بن الوليد. والأبيات المذكورة من مشهور شعره. وقد أوردها المصنّف في روضة المحبّين (٤٠٢) أيضًا. وانظر: ديوانه (١٠١).
(٣) "ط": "من قصيدة يقول".
(٤) "ب": "أكرِم".