للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه السادس: قوله: "الصبرُ حبس النفس على مكروه، وعقل (١) اللسان عن الشكوى، ومكابدة الغصص في تحمّله، وانتظار الفرج عند عاقبته".

فيقال: هذا أحد أقسام الصبر، وهو الصبرُ على البلاءِ. وأمَّا الصبر على الطاعة فقد يعرض فيه ذلك أو بعضه، وقد لا يعرض فيه، بل يتحلَّى بها ويأتي بها محبَّةً ورضًى، ومع هذا فالصبر واقع عليها، فإنَّه حبسِ النفس على مداومتها والقيام بها. قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} [الكهف/ ٢٨]. وأمَّا الصبر عن المعصية فقد يعرض فيه ذلك أو بعضه، وقد لا يعرض فيه، لتمكّن (٢) الصابر من قهر داعيها وغلبته.

وإذا كان ما ذكر من الأمور الأربعة إنَّما يعرض في الصبر على البلية، فقوله: "إنَّه في طريق الخاصّة تجلّد ومناوأة وجرأة ومنازعة" ليس كذلك، وإنَّما فيه التجلّد، فأين المناوأة والجرأة والمنازعة؟ وأمَّا لوازم الطبيعة من وجود ألم البلوى فلا تنقلب ولا تُعدَم، فلا يصحّ أن يقال: إنَّ وجود التألم والتجلد عليه وحبس النفس عن التسخّط واللسان عن الشكوى جرأة ومنازعة، بل هو محض العبوديّة والاستكانة وامتثال الأمر، وهو من عبودية اللَّه سبحانه المفروضة على عبده في البلاء، فالقيام بها عين كمال العبد. ولوازمُ الطبيعة لا بدَّ منها، ومن رامَ أن لا يجد البرد والحرّ (٣) والجوع والعطش والألم عند تمام أسبابها وعللها


(١) "ف": "عقد"، خلاف الأصل.
(٢) قراءة "ف": "ليمكن"، والصواب ما أثبتنا من غيرها.
(٣) "ب": "الحرّ والبرد".