للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يراعى فيها حكمة ولا مصلحة. وهؤلاء عندهم الخوف يتعلَّق بنفس الذات من غير نظر إلى فعل العبد وأنَّه سبب المخافة، إذ ليس عندهم سبب ولا حكمة، بل إرادة محضة يفعل بها ما يشاء من تنعيم وتعذيب. وعند هؤلاء فالخوف (١) لازم للعبد في كلِّ حال، أحسنَ أم أساءَ، وليس لأفعالهم (٢) تأثير في الخوف. وهذا من قلَّة نصيبهم من المعرفة باللَّه وكماله وحكمته. وأين هذا من قول أمير المؤمنين عليّ: "لا يرجونّ عبد إلا ربه، ولا يخافنَّ إلا ذنبَه"؟ فجعل الرجاءَ متعلِّقًا بالربِّ سبحانه وتعالى، لأنَّ رحمته من لوازم ذاته، وهي سبقت غضبَه. وأمَّا الخوف فمتعلق بالذنب، فهو سبب المخافة، حتَّى لو قُدِّرَ عدمُ الذنب بالكليّة لم تكن مخافة.

[مسألة]

فإن قيل: فما وجه خوفِ الملائكة، وهم معصومون من الذنوب التي هي أسباب المخافة. وشدَّة خوف النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، مع علمه بأنَّ اللَّه قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، وأنَّه أقرب الخلق إلى اللَّه وسيلة (٣)؟

قبل: عن هذا أربعة أجوبة (٤):

الجواب الأوَّل: أنَّ هذا الخوف على حسب القرب من اللَّه والمنزلة عنده. وكلَّما كان العبد أقرب إلى اللَّه كان خوفه منه أشدّ؛ لأنَّه يطالَب


(١) "ب": "الخوف".
(٢) كذا في الأصل وغيره. وفي "ط": "لأفعال"، فصححت في القطرية: "لأفعاله".
(٣) "وسيلة" ساقط من "ك، ط".
(٤) وسترى أنّه لم يجب إلّا ثلاثة أجوبة، وسقط الثاني لسهو في الترقيم كما سيأتي (٦٢٥).