للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سبحانه إن لم يغفره للإنسان فيقيه السيئاتِ، ويرحمْه فيؤتيه (١) الحسناتِ وإلّا هلك ولا بدّ، إذ كان ظالمًا لنفسه ظلومًا بنفسه. فإنّ نفسه ليس عندها خير يحصل لها منها، وهي متحرّكة بالذات، فإن لم تتحرّك إلى الخير تحرّكت إلى الشرّ فضرّت صاحبَها. وكونُها متحرّكةً بالذات من لوازم كونها نفسًا لأنّ ما ليس حسّاسًا متحرّكًا بالإرادة فليس نفسًا.

وفي (٢) الصحيح عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أصدق الأسماء حارث وهمام" (٣) فالحارث: الكاسب العامل، والهمّام: الكثير الهمّ، والهمّ مبدأ الإرادة، فالنفس لا تكون إلّا مريدةً عاملةً؛ فإن لم توفَّق للإرادة الصالحة وإلَّا وقعت في الإرادة الفاسدة والعمل الضارّ (٤).

وقد قال تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (١٩) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (٢٠) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (٢١) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (٢٢)} [المعارج/ ١٩ - ٢٢] فأخبر تعالى أنّ الإنسان خُلِق على هذه الصفة، وإنّ من كان على غيرها فلأجل ما زكّاه اللَّه به من فضله وإحسانه.

وقال تعالى: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (٢٨)} [النساء/ ٢٨] قال طاووس ومقاتل وغيرهما: لا يصبر عن النساءِ (٥). وقال الحسن: هو خلقه من


(١) "فيقيه. . فيؤتيه" كذا ورد الفعلان بثبوت حرف العلة، انظر ما علقناه آنفًا.
(٢) "ط": "ففي"، "ك": "في".
(٣) أخرجه أحمد (١٩٠٣٢)، وأبو داود (٤٩٥٠)، والبخاري في الأدب المفرد (٨١٤) وغيرهم عن أبي وهب الجشمي. وهو معلول. أعلَّه أبو حاتم الرازي بالإرسال. انظر: علل ابن أبي حاتم (٢/ ٣١٢ - ٣١٣). (ز).
(٤) وانظر إغاثة اللهفان (٦٩)، ومجموع الفتاوى (١٤/ ٢٩٤)، (٢٠/ ١٢٢).
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (٣/ ٩٢٦) (٥١٧٦، ٥١٧٧). (ز)، وانظر: معالم التنزيل (٢/ ١٩٩)، زاد المسير (٢/ ٦٠).