للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإنّها لا تنقلب سيّئاتِ يعاقَبُ عليها، بل يبطل أثرُها، ويكون لا له ولا عليه، وتكون عقوبتُه عدمَ ترتُّب ثوابِه عليها؛ فهكذا من فعل سيّئاتٍ ثمّ تاب منها، فإنّها لا تنقلب حسنات. فإن قلتم: وهكذا التائبُ يكون ثوابه عدمَ ترتُّب العقوبة على سيّئاته، لم نُنازِعْكم في هذا. وليس هذا معنى الحسنة، فإنّ الحسنة تقتضي ثوابًا وجوديًّا.

واحتجّت الطائفة الأخرى التي قالت: هو تبديل السيّئة بالحسنة حقيقة يوم القيامة بأن قالت: حقيقة التبديل إثبات الحسنة مكان السيّئة. وهذا إنّما يكون في السيّئة المحقّقة، وهي التي قد فُعِلتْ ووقَعتْ؛ فإذا بُدِّلت حسنةً كان معناه أنّها مُحِيت وأُثبتَ مكانها حسنةٌ.

قالوا: ولهذا قال سبحانه: {سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان/ ٧٠]، فأضاف السيئات إليهم لكونهم باشروها واكتسبوها، ونكَّر الحسناتِ ولم يُضفها إليهم لأنَّها من غير صنعهم وكسبهم، بل هي مجرَّد فضل اللَّه وكرمه.

قالوا: وأيضًا فالتبديل في الآية إنَّما هو فعل اللَّه، لا فعلهم؛ فإنَّه أخبر أنَّه هو يُبدِّل سيّئاتِهم حسناتٍ. ولو كان المراد ما ذكرتم لأضافَ التبديل إليهم، فإنَّهم هم الذين بدَّلوا (١) سيّئاتهم حسنات. والأعمال إنَّما تضاف إلى فاعلها وكاسبها، كما قال تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} [البقرة/ ٥٩]. وأمَّا ما كان من غيِر الفاعل فإنَّه يجعله من تبديله هو، كما قال تعالى: {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ} [سبأ/ ١٦]. فلمَّا أخبر سبحانه أنَّه هو الذي يبدِّل سيئاتهم حسنات، دلَّ على أنَّه شيء فعله


(١) "ك، ط": "يبدّلون".