للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المريدين.

والثالث: الاصطبار. وهو التلذّذ بالبلوى، والاستبشار باختيار المولى. وهذا هو الصبر على اللَّه، وهو صبر العارفين" (١).

والكلام على هذا من وجوه:

أحدها: أن يقال: الصبر نصف الدين، فإنَّ الإيمان نصفان: نصفٌ صبر، ونصف شكرٌ. قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (١٩)} [سبأ/ ١٩] وقال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده، لا يقضي اللَّه للمؤمن قضاءً إلا كان خيرًا له: إن أصابته سرَّاءُ شكرَ، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاءُ صبرَ، فكان خيرًا له. وليس ذِلك إلا للمؤمن " (٢) فمنازل الإيمان كلُّها بين الصبر والشكر. والذي يوضِّح هذا:

الوجه الثاني: وهو أنَّ العبد لا يخلو قطُّ (٣) من أن يكون في نعمة أو بليّة. فإن كان في نعمة ففرضُها الشكر والصبر. أمَّا الشكر فهو قيدها وثباتها والكفيلُ بمزيدها. وأمَّا الصبر فعن مباشرة الأسباب التي تسلُبها، وعلى القيام بالأسباب التي تحفظُها؛ فهو أحوجُ إلى الصبرِ فيها من حاجة المبتلى.

ومن هنا يعلم سرّ مسألة الغنيّ الشاكر والفقير الصابر (٤) وأنَّ كلًّا


(١) محاسن المجالس (٨٠ - ٨١).
(٢) أخرجه مسلم في كتاب الرقائق والزهد، باب المؤمن أمره كلّه خير (٢٩٩٩) من حديث صهيب رضي اللَّه عنه.
(٣) انظر في استعمال "قطّ" ما سلف في ص (٤٣١).
(٤) عقد المؤلف بابًا كاملًا في هذه المسألة في كتابه عدة الصابرين (٢٨٥).