للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

وتغلّظُ (١) الكفر الموجبُ لتغلّظ العذاب يكون من ثلاثة أوجه:

أحدها: من خبث (٢) العقيدة الكافرة في نفسها، كمن جحد ربَّ العالمين بالكلّية، وعطَّل العالم عن الربِّ الخالق المدبّر له، فلم يؤمن باللَّه وملائكته ولا كتبه ولا رسله ولا اليوم الآخر. ولهذا لا يُقَرّ أربابُ هذا الكفر بالجزية عند كثيرٍ من العلماء، ولا تؤكل ذبائحهم، ولا تنكح نساؤهم اتّفاقًا، لِتغلّظ كفرهم. وهؤلاء هم المعطّلة والدهرية وكثير من الفلاسفة وأهل الوحدة القائلين بأنَّه لا وجود للربّ تعالى غير وجود هذا العالم.

الجهة الثانية: تغلّظه بالعناد والضلال عمدًا على بصيرة، ككفر من شهد قلبُه أنَّ الرسول حقٌّ لما رآه من آيات صدقه، وكفَرَ عنادًا وبغيًا، كقوم ثمود، وقوم فرعون، واليهود الذين (٣) عرفوا الرسول كما عرفوا أبناءهم، وكفر أبي جهل وأمية بن أبي الصلت وأمثال هؤلاء.

الجهة الثالثة: السعي في إطفاءِ نور اللَّه وصدّ عباده عن دينه بما تصل إليه قدرتهم. فهؤلاءِ أشدُّ الكفّار عذابًا بحسب تغلّظ كفرهم.

ومنهم من يجتمع في حقِّه الجهات الثلاث، ومنهم من يكون فيه ثنتان (٤) منها أو واحدة. فليس عذاب هؤلاءِ كعذاب من هو (٥) دونهم في


(١) في "ط": "غلظ" هنا وفي الموضع التالي.
(٢) "ب، ك، ط": "حيث"، تصحيف. والكلمة منقوطة في الأصل.
(٣) "ف": "والذين"، سهو.
(٤) "ك، ط": "جهتان".
(٥) "هو" سقط من "ف" سهوًا.