للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المشهد العظيم، ويتغذَّى به (١) عن فاقاته وحاجاته.

وإنَّما كان أفضلَ عندهم (٢) ممَّا قبله لأن الشهود الذي قبله فيه شائبةٌ مشيرةٌ إلى وجود العبد. وهذا الشهود الثاني ساترٌ للموجودات (٣) كلِّها سوى الأوَّل تعالى، قد اضمخَلتْ، وفنيتْ فيه، وصارتْ كأوليتها، وهو (٤) العدم. فأفنتها أوَّليةُ الحق تبارك وتعالى، فبقي العبد محوًا صرفًا وعدمًا محضًا، وإن كانت إنّيَّتُه متشخصةً (٥) مشارًا (٦) إليها، لكنَّها لما نُسِبتْ إلى أوَّلية الحق عزَ وجل اضمحلَّتْ وفنيتْ، وبقي الواحد الحقّ الذي لم يزل باقيًا. فاضمحلَّ ما دون الحق تعالى في شهود العبد، كما هو مضمحلّ في نفسه. وشهِد العبدُ حينئذٍ أنَّ كل شيء سوى اللَّه (٧) باطل، وأنَّ الحقَّ المبين هو اللَّه وحده. ولا ريب أنَّ الغنى بهذا الشهود أتمُّ من الغنى بالذي قبله.

وليس هذا مختصًّا بشهود أوَّليته تعالى فقط، بل جميع ما يبدو للقلوب من صفات الربّ جلَّ جلالُه يستغني العبدُ بها بقدر حظه وقسمه من معرفتها وقيامه بعبوديّتها.

فمَن شهد مشهدَ علوِّ اللَّه على خلقه وفوقيّته لعباده واستوائه على عرشه، كما أخبر به أعرَفُ الخلق وأعلَمُهم به الصادقُ المصدوقُ، وتعبَّد


(١) في الأصل وغيره: "بها"، وهو أيضًا سهو. وفي حاشيتي الأصل و"ف" علامة "ظ".
(٢) "ط": "كان هذا عندهم أفضل".
(٣) "ط": "سائر الموجودات" تحريف.
(٤) "ف": "هي" خلاف الأصل.
(٥) "ط": "مشخصة".
(٦) "ك": "ومشارم إليها".
(٧) "ك، ط": "ما سواه".