للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فليست الآية من الخوف المأمور به في شيءٍ.

الوجه الخامس: أنَّ الخوف يتعلَّق بالأفعال، وأمَّا الحبّ فإنَّه يتعلَّق بالذات والصفات. ولهذا يزول الخوف في الجنَّة، وأمَّا الحبّ فيزداد. ولمَّا كان الحبّ يتعلق بالذات كان من أسمائه سبحانه: "الودود". قال البخاري في صحيحه: "الحبيب" (١). وأمَّا الخوف فإنَّ متعلّقه أفعال الربّ سبحانه، ولا يخرج عن كون سببه جناية العبد، وإن كانت جنايتُه من قدر اللَّه. ولهذا قال علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه: "لا يرجونَّ عبدٌ إلا ربَّه، ولا يخافنَّ عبد إلا ذنبه" (٢). فمتعلَّق الخوف ذنبُ العبد وعاقبته، وهي مفعولات للربّ، فليس الخوف عائدًا إلى نفس الذات. والفرق بينه وبين الحبّ أنَّ الحبَّ سببه الكمال، وذاته تعالى لها الكمال المطلق، وهو متعلّق الحبّ التام. وأمَّا الخوف فسببه توقّع المكروه، وهذا إنَّما يكون في الأفعال والمفعولات.

وبهذا يعلم بطلان قول من زعم أنَّه سبحانه يُخاف لا لعلَّة ولا لسبب، بل كما يُخاف السيلُ الذي لا يدري العبد من أين يأتيه. وهذا بناءٌ من هؤلاءِ على نفي محبّته سبحانه وحكمته، وأنَّه ليس إلا محض المشيئة والإرادة التي تُرجح مِثْلًا على مِثْلٍ بلا مرجِّح،


(١) يعني تفسير "الودود": نقله البخاري عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما. انظر: كتاب التفسير، سورة البروج (ص). ووصله الطبري في تفسيره (٣٠/ ١٣٨)، وسنده حسن. (ز).
(٢) نقله المصنّف ضمن كلام طويل لعلي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه في مفتاح دار السعادة (١/ ٥٠٩). وقد سُئل شيخ الإسلام عن معنى قوله هذا. وجوابه في مجموع الفتاوى (٨/ ١٦١ - ١٨٠).