للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان لا بدَّ من إرادةٍ، ففرْقٌ بين الإرادتين: إرادة سلب الإرادة، وإرادة موافقة المحبوب في مراده. واللَّه أعلم.

الوجه الحادي عشر: أنَّه فسَّر الإرادة بتجريد القصد وجزم النية، والجدّ في الطلب. وهذا هو عين كمال العبد (١)، وهو متضمّن للصدق (٢) والإخلاص والقيام بالعبودية. فأيّ نقص في تجريد القصد -وهو تخليصُه من كلِّ شائبةٍ نفسانية أو طبيعية، وتجريدُه لمراد المحبوب وحدَه- والجدِّ في طلبِه وطلبِ مرضاتِه، وجزم النِّية، وهو أن لا يعتريها وقفة ولا تأخُّر (٣)؟ وهذا الأَمرُ هو غاية منازل الصدِّيقين، وصدِّيقيَّةُ العبد بحسب رسوخه في هذا المقام، وكلَّما ازداد قربُه وعلا مقامُه قوي عزمُه وتجرد صدقُه. فالصادق لا نهاية لطلبه، ولا فتور لقصده، بل قصدُه أتمّ، وطلبُه أكمل، ونيته أجزم.

قال تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩)} [الحجر/ ٩٩]. و"اليقين" هنا: الموت، باتفاق أهل (٤) الإسلام، فجاءَه -صلى اللَّه عليه وسلم- اليقين (٥) إذ جاءَه، وإرادتُه وقصده ونيته في الذروةِ العليا ونهايةِ كمالها وتمامها. فأين العلَّة في هذه الإرادة؟ ولكنَّ العلَّة والنقص في الإرادة التي يكون


= المستقيمين. وإن كان من الشيوخ من يأمر بترك الإرادة مطلقًا فإنَّ هذا غلط ممَّن قاله، فإنَّ ذلك ليس بمقدور ولا مأمور. . . " مجموع الفتاوى (١٠/ ٤٩٤).
(١) "ط": "كمال العين"، تحريف.
(٢) قراءة "ف": "يتضمن الصدق". وفي "ب": "القصد"، تحريف.
(٣) "ب، ك، ط": "تأخير".
(٤) سقط "أهل" من "ط".
(٥) "اليقين" ساقط من "ط".