للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل [حدّ آخر]

قال (١): "وقيل: المحبة: القيام بين يديه وأنت قاعد، ومفارقةُ المضجع وأنت راقد، والسكوت وأنت ناطق، ومفارقة المألوف والوطن وأنت مستوطن".

فيقال: وهذا أيضًا أثر من آثار المحبة، وموجَب من موجباتها، وحكم من أحكامها. وهو صحيح، فإنَّ المحبة تُوجِبُ سفرَ القلب نحو المحبوب دائمًا. والمحِبُّ في وطنه قاطن (٢)، وتوجب مثولَه وقيامَه بين يدي محبوبه وهو قاعد، وتجافيَه عن مضجعه ومَفارقتَه إيَّاه وهو فيه راقد، وفراغَه لمحبوبه بكلّه (٣) وهو مشغول في الظاهر (٤) بغيره. كما قال بعضهم:

وأُدِيمُ نحوَ محدِّثي لِيرَى ... أن قد عقلتُ وعندكم عقلي (٥)

وقال بعض المريدين لشيخه: أيسجد القلب بين يدي اللَّه؟ فقال: نعم، سجدةً لا يرفع رأسه منها إلى يوم القيامة! (٦) فهذه سجدة متّصلة بقيامه وقعوده وذهابه ومجيئه وحركته وسكونه. وكذلك يكون جسده في


(١) محاسن المجالس (٩١).
(٢) "قاطن" ساقط من "ك". وفي "ط": "والمحبة وطنه"!
(٣) "ب, ك، ط": "كله".
(٤) "ف": "الطاعة"، تحريف.
(٥) لمجنون ليلى في ديوانه (١٨٢). وقد أنشده المصنف في روضة المحبين (٣٩٠) أيضًا.
(٦) من كلام سهل التستري. وقد تقدّم في ص (٤٥١).