للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لها، فصار حبُّه منقسمًا: بعضُه لها (١)، وبعضُه لأعدائه لشبههم إياها.

ثُمَّ إنَّ في الشعر جنايةً أخرى عليها، وهو أنَّه شبَّهها بمن جبلت القلوب على بغضه، وهو العدوّ. واللائق تشبيه الحبيب بما هو أحبّ الأشياء إلى النفس كالسمع والبصر والحياة والروح والعافية، كما هو عادة الشعراء والناس في نظمهم ونثرهم، كما هو معروف بينهم، وهو جادة كلامهم.

ثمَّ أخبر بمحبته لأعدائه لشبههم بها، فتضمَّن كلامُه معاداة من يحبه، ومحبة من يعاديه. فإنَّها إذا أشبهت أعداءَه لزم أن يحصل لها نصيب من معاداته، وإذا أشبهها أعداؤه لزم أن يحصل لهم نصيب من محبته، كما صرَّح به في جانبهم، وترك التصريح به (٢) في جانبها، وهو مفهوم من كلامه.

ثُمَّ أخبر أنه يلتذّ بملامة اللوَّام في هواها لما يتضمَّن من ذكراها. وهذا يدلُّ على قوة محبتها وسماع ذكرها. وهذا غرض صحيح، مع أنَّه مدخول أيضًا، فإنَّ محبوبته قد تكره ذلك لما يتضمَّن من فضيحتها به وجعلِها مضغةً للماضغين، فيكون محبًا لنفس ما تكرهه. وهذه محبة فاسدة معلولة، ناقضة لدعواه موافقتَها في محابّها.


(١) "ط": "له"، خطأ.
(٢) "به" ساقط من "ك، ط".