للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يحبّ نفسه، ومن أجل ذلك يثني على نفسه، ويحمد نفسه، ويقدّس نفسه، ويحبّ من يحبّه ويحمده ويثني عليه. بل كلّما كانت محبّةُ عبدِه له أقوى كانت محبّة اللَّه له أكمل وأتمّ. فلا أحدَ أحبُّ إليه ممن يحبّه، ويحمده، ويثني عليه.

ومن أجل ذلك كان الشركُ أبغضَ الأشياءِ إليه لأنّه ينقص هذه المحبّة، ويجعلها بينه وبين من أشرك به. ولهذا لا يغفر اللَّه أن يُشرَك به؛ لأنَّ الشرك يتضمّن نقصان هذه المحبّة، والتسوية فيها بينه وبين غيره. ولا ريب أنّ هذا من أعظم ذنوب المحبّ عند محبوبه التي ينقص (١) بها من عينه، وتنحطّ (٢) بها مرتبتُه عنده إذا كان من المخلوقين، فكيف يحتمل ربّ العالمين أن يُشرَك بينه وبين غيره في المحبّة، والمخلوق لا يحتمل ذلك، ولا يرضى به، ولا يغفر هذا الذنب لمحبّه أبدًا. وعساه أن يتجاوز لمحبّه عن غيره من الهفوات (٣) والزلّات في حقّه، ومتى علم بأنّه يحِبّ غيره كما يحبُّه لم يغتفر (٤) له هذا الذنب ولم يقرِّبْه إليه. هذا مقتضى الطبيعة والفطرة. أفلا يستحيي العبد أن يسوّي بين إلهه ومعبوده وبين غيره في هذه العبوديّة والمحبّة؟

قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة/ ١٦٥]. فأخبر سبحانه أنّ من أحبّ شيئًا دون اللَّه كما يحبّ اللَّهَ، فقد اتّخذه ندًّا. وهذا معنى قول المشركين


(١) كذا في الأصل وغيره. وفي "ط": "يسقط".
(٢) "ب": "تسقط". "ك": "يسقط". "ط": "تنقص".
(٣) "ف": "النفرات"، تحريف.
(٤) "ط": "لم يغفر".