للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طائعةً مذلَّلةً غيرَ متثاقلةٍ ولا كارهة، بل تفرح بدعوته حين يدعوها، كما يفرح الرجل بدعوة حبيبه المحسن إليه إلى محلّ كرامته. فهو كل وقت يرقب (١) داعيه، ويتأهَّب لموافاته. واللَّه يختص برحمته من يشاء، واللَّه ذو الفضل العظيم.

فصل

والصبر على الطاعة ينشأ من معرفة هذه الأسباب ومن معرفة ما تجلبه الطاعة من العواقب الحميدة والآثار الجميلة. ومن أقوى أسبابها الإيمان والمحبّه، فكلَّما قوي داير الإيمان والمحبة في القلب كانت استجابته للطاعة بحسبه.

وههنا مسألة تكلَّم فيها النَّاس، وهي: أيّ الصبرين أفضل: صبرُ العبد عن المعصية، أم صبرُه على الطاعة؟

فطائفة رجَّحت الأوَّل، وقالت: الصبر عن المعصية من وظائف الصدِّيقين، كما قال بعض السلف: "أعمال البرّ يفعلها (٢) البَرّ والفاجر، ولا يقوى على ترك المعاصي إلا صدِّيق" (٣).

قالوا: ولأنَّ في داعي المعصية أشدّ من داعي ترك الطاعة، فإنَّ داعي المعصية داعٍ (٤) إلى أمر وجوديّ تشتهيه النفس وتلتذّ به، والداير إلى


(١) "ب، ك، ط": "يترقب".
(٢) "ب": "يعملها".
(٣) من كلام سهل بن عبد اللَّه التستري، كما في طبقات الصوفية (٢٠٩)، ومجموع الفتاوى (١٧/ ٢٤).
(٤) "داعٍ" سقط من "ط".