للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (١١٢)} [الأنعام/ ١١٢].

والقضاء والقدر عندهم أربع مراتب (١) جاء بها نبيهم، وأخبربها عن ربه:

الأولى: علمه السابق بما هم عاملوه قبل إيجادهم.

الثانية: كتابة ذلك في الذكر عنده قبل خلق السماوات والأرض.

الثالثة: مشيئته المتناولة لكل موجود، فلا خروج لكائن عن مشيئته، كما لا خروج له عن علمه.

الرابعة: خلقه له وإيجاده وتكوينه، فإنَّه لا خالق إلا اللَّه، واللَّه خالق كل شيء، فالخالق عندهم واحد، وما سواه فمخلوق، ولا واسطة عندهم بين الخالق والمخلوق.

ويؤمنون مع ذلك بحكمته، وأنَّه حكيم في كل ما فعَله وخلَقه، وأن مصدر ذلك جميعه عن حكمة تامَّة هي التي اقتضت صدورَ ذلك وخلقَه، وأنَّ حكمته حكمةُ حقٍّ عائدة إليه قائمة به كسائر صفاته، وليست عبارةً عن مطابقة علمه لمعلومه وقدرته لمقدوره، كما يقوله نفاة الحكمة الذين يقرّون بلفظها دون حقيقتها، بل هي أمر وراء ذلك. وهي الغاية المحبوبة له المطلوبة التي هي متعلَّق محبته وحمدِه، ولأجلها خلَق فسوَّى، وقدَّر فهدى، وأماتَ فأحيا، وأسعد وأشقى، وأضلَّ وهدى، ومنع وأعطى.

وهذه الحكمة هي الغاية، والفعل وسيلة إليها، فإثباتُ الفعل مع نفيها إثباتٌ للوسائل ونفيٌ للغايات وهو محال، إذ نفيُ الغاية مستلزِم


(١) انظر: شفاء العليل (٦٥).