للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بقضائه وقدره، فجعلوا القضاءَ والقدر إبطالًا لدعوة الرسل ودفعًا لما جاؤوا به. وشاركهم في ذلك إخوانهم وورثتهم (١) الذين يحتجون بالقضاء والقدر على المعاصي والذنوب في نصف أقوالهم، وخالفوهم في النصف الآخر، وهو إقرارهم بالأمر والنهي.

فانظر كيف انقسمت هذه المواريث على هذه السهام، وورث كل قوم أئمتهم وأسلافهم إمَّا في جميع تركتهم، وإمَّا في كثير منها، وإمَّا في جزءٍ منها.

وهدى اللَّه بفضله ورثة أنبيائه ورسله لميراث نبيهم وأصحابه، فلم يؤمنوا ببعض الكتاب ويكفروا ببعض، بل آمنوا بقضاء اللَّه وقدره ومشيئته العامة النافذة، وأنَّه ما شاء اللَّه كان وما لم يشأ لم يكن، وأنَّه مقلِّب القلوب ومصرّفها كيف أراد. وأنَّه هو الذي جعل المؤمن مؤمنًا، والمصلي مصلِّيًا، والمتقي متقيًا. وجعل أئمة الهدى يهدون بأمره، وأئمة الضلالة يدعون إلى النار. وأنَّه ألهمَ كلَّ نفس فجورها وتقواها، وأنَّه يهدي من يشاء بفضله ورحمته، ويضل من يشاء بعدله وحكمته. وأنَّه هو الذي وفَّق أهل الطاعة لطاعته فأطاعوه، ولو شاءَ لخذلَهم فعصَوه؛ وأنَّهُ حال بين الكفار وقلوبهم، فإنَّه يحول بين المرءِ وقلبه، فكفروا به، ولو شاءَ لوفَّقهم فآمنوا به وأطاعوه، وأنَّه من يهده (٢) اللَّه فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له. وأنَّهُ لو شاءَ لآمن من في الأرضِ كلهم جميعًا إيمانًا يُثابون عليه، ويقبل منهم، ويرضى به عنهم. وأنَّه لو شاء ما اقتتلوا، ولكنَّ اللَّه يفعل ما يريد: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ


(١) "ك، ط": "ذريتهم".
(٢) "ط": "يهد اللَّه".