للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا (١) لم يمنع من وقوعه لزم إمَّا عدم قدرته وإمَّا عدم حكمته، وكلاهما ممتنع في حقِّ اللَّه، فعُلِم محبتُه لما نحن عليه من عبادة غيره ومن الشرك به!

وقد وافق هؤلاء من قال: إنَّ اللَّه يحب الكفر والفسوق والعصيان ويرضى بها، ولكن خالفهم في أنَّه نهى عنها وأمر بأضدادها ويعاقب عليها، فوافقهم في نصف قولهم، وخالفهم في الشطر الآخر.

وهذه الآيات من أكبر الحجج على بطلان قول الطائفتين، وأنَّ مشيئة اللَّه تعالى العامة وقضاءَه وقدره لا تستلزم محبته ورضاه لكل ما شاءَه وقدَّره. وهؤلاء المشركون لما استدلُّوا بمشيئته على محبته ورضاه كذَّبهم، وأنكر عليهم، وأخبر أنَّه لا علم لهم بذلك وأنَّهم خارصون مفترون، فإنَّ محبة اللَّه تعالى للشيء ورضاه به إنَّما يُعلَم بأمره به على لسان رسوله لا بمجرَّد خلقِه له (٢). فإنَّه خلق إبليسَ وجنودَه، وهم أعداؤه، وهو تعالى يبغضهم ويلعنهم، وهم خَلْقُه. فهكذا في الأفعال خلَق خيرَها وشرَّها، وهو يُحبُّ خيرَها ويأمر به ويثيب عليه، ويبغض شرَّها وينهى عنه ويعاقب عليه، وكلاهما خلقُه. وللَّه تعالى الحكمة البالغة التامة في خلقه ما يبغضه ويكرهه من الذوات والصفات والأفعال، كلٌّ صادرٌ عن حكمته وعلمه، كما هو صادر عن قدرته ومشيئته.

وقالت الفرقة الثانية: إنَّما أنكر عليهم معارضةَ الشرع بالقدر، ودفعَ الأمر بالمشيئة. فلما قامت عليهم حجةُ اللَّه، ولزمهم أمرُه ونهيُه دفعوه


(١) "ك": "وإذ".
(٢) "له" ساقط من "ك، ط".