للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يُلهِمه رُشْدَه، ولا يجعل في قلبه الإيمان، ولا هو الذي جعل المصلي مصلّيًا، والبر برًّا، والفاجر فاجرًا، والمؤمن مؤمنًا، والكافر كافرًا، بل هم الذين جعلوا أنفسهم كذلك.

فهذه الفرقة شاركت الفرقة التي قبلها في إلقاء الحرب والعداوة بين الشرع والقدر: فالأولى تحيَّزت إلى القدر، وحاربت الشرع. والثانية تحيَّزت إلى الشرع، وكذَّبت بالقدر.

والطائفتان ضالَّتان، وإحداهما أضلّ من الأُخرى.

الفرقة (١) الثالثة: آمنت بالقضاء والقدر، وأقرَّت بالأمر والنَّهي، ونزَّلوا كلَّ واحدٍ منزلته. فالقضاءُ والقدرُ يؤمَن به ولا يُحْتَجّ به، والأمر والنهي يُمتثل ويُطاع. فالإيمان بالقضاء والقدر عندهم من تمام التوحيد وشهادةِ أن لا إله إلا اللَّه، والقيامُ بالأمر والنهي موجَبُ شهادةِ أن محمدًا رسول اللَّه. وقالوا: من لم يُقِرَّ بالقضاء والقدر ويَقُمْ (٢) بالأمر والنهي فقد كذَّب بالشهادتين، وإن نطق بهما بلسانه.

ثمَّ افترقوا في وجه هذه الآيات فرقَتين:

فرقة قالت: إنَّما أنكر عليهم استدلالهم بالمشيئة العامة والقضاء والقدر على رضاه ومحبته لذلك. فجعلوا مشيئته له وتقديره له دليلًا على رضاه به ومحبته له، إذ لو كرهه وأبغضه لحال بينهم وبينه (٣)، فإنَّ الحكيم إذا كان قادرًا على دفع ما يكرهه ويبغضه دفَعه ومنَع من وقوعه.


(١) "ك، ط": "والفرقة".
(٢) في الأصل: "ويقوم"، وكذا في "ف، ن"، والصواب ما أثبتنا من "ك، ط".
(٣) "ك، ط": "بينه وبينهم".