للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العذاب ولم يُغنِ عنهم تقليدُهم شيئًا. وأصرح من هذا قوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (١٦٦) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (١٦٧)} [البقرة/ ١٦٦ - ١٦٧].

وصحّ عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنّه قال: "من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثلُ أوزار مَن اتّبعه. لا ينقص من أوزارهم شيئًا" (١). وهذا يدل على أنَّ كفر من اتبعهم إنّما هو بمجرّد اتباعهم وتقليدهم.

نعيم، لا بدَّ في هذا المقام من تفصيل به يزول الإشكال، وهو الفرق بين مقلّد تمكن من العلم ومعرفة الحق فأعرض عنه، ومقلّد لم يتمكن من ذلك بوجه، والقسمان واقعان في الوجود. فالمتمكن المعرض مفرِّط تارك للواجب عليه، لا عذر له عند اللَّه. وأمّا العاجز عن السؤال والعلم الذي لا يتمكن من العلم بوجه، فهم قسمان (٢) أيضًا:

أحدهما: مريد للهدى مؤثر له محبٌّ له، غير قادر عليه ولا على طلبه لعدم من يرشده، فهذا حكمه حكم أرباب الفترات، ومن لم تبلغه الدعوة.

الثاني: معرِض لا إرادة له، ولا يحدِّث نفسه بغير ما هو عليه.

فالأول يقول: يا ربّ لو أعلم لك دينًا خيرًا مما أنا عليه لَدِنْتُ به وتركت ما أنا عليه، ولكن لا أعرف غير (٣) ما أنا عليه ولا أقدر على


(١) من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه. أخرجه مسلم في كتاب العلم (٢٦٧٤).
(٢) "ف": "نوعان"، سهو.
(٣) "ك، ط": "سوى".