للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التوكّل على اللَّه، واللجأ إليه، والتفويض إليه، والاستعانة به. فقد رفَضَ المخلوقَ، وتعلَّق بالخالق، فكيف يقال: إنَّه تعلَّق بما رفضه؟

الوجه السابع: أنَّ قوله: "من حيث معتقدك الانفصال" يشير به إلى أنَّ التوكّلَ نوعُ تفرِقةٍ وانفصالٍ يشهد فيه مع اللَّه غيرَه، وهذا منافٍ للفناء في التوحيد، وأن لا يشهد مع اللَّه غيرَه أصلًا. وهذا قطب رحى السير الذي يشير إليه القوم، والعلَم الذي يشمّرون إليه، ولأجله يجعلون كلّ ما دونه من المقامات معلولًا. ولا بدَّ من فصل القول فيه بعون اللَّه وتأييده، فإنَّه نهايةُ إقدامهم وغايةُ مرماهم. فنقول وباللَّه التوفيق:

[أقسام الفناء عند السالكين]

الفناء الذي يشار إليه على ألسنة السالكين ثلاثة أقسام: فناءٌ عن وجود السِّوى، وفناءٌ عن شهود السِّوى، وفناءٌ عن عبادة السِّوى وإرادته؛ وليس هنا قسم رابع (١).

فأمَّا القسم الأوَّل: فهو فناءُ القائلين بوحدة الوجود. وهو (٢) فناءٌ باطل في نفسه، مستلزِم جحدَ الصانع وإنكارَ ربوبيّتِه وخلقِه وشرعِه، وهو غاية الإلحاد والزندقة. وهذا هو الذي يشير (٣) إليه علماءُ الاتحادية، ويسمّونه "التحقيق". وغاية أحدهم فيه أن لا يشهد ربًّا وعبدًا، وخالقًا ومخلوقًا، وآمرًا ومأمورًا، وطاعةً ومعصيةً؛ بل الأمرُ كلّه واحد! فيكون السالك عندهم في بدايته يشهد طاعةً ومعصيةً، ثمَّ يرتفع


(١) وانظر في أقسام الفناء هذه مدارج السالكين (١/ ٢٢٢).
(٢) "ك، ط": "فهو".
(٣) "ف": "يسير"، تصحيف.