للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل (١)

فمن النَّاسِ من تكون (٢) له القوة العلمية الكاشفة عن الطريق ومنازلها وأعلامها وعوارضها ومعاثرها، وتكون هذه القوَّة أغلبَ القوَّتين عليه، ويكون ضعيفًا في القوَّة العملية. يبصر الحقائق ولا يعمل بموجبها، ويرى المتالف والمخاوف والمعاطب ولا يتوقَّاها. فهو فقيه ما لم يحضر العمل، فإذا حضر العمل شارك الجُهَّال في التخلف، وفارقهم في العلم. وهذا هو الغالب على أكثر النفوس المشتغلة بالعلم، والمعصوم من عصمه اللَّه، فلا قوَّة إلا باللَّه (٣).

ومن النَّاسِ من تكون له القوة العلمية الإراديّة، وتكون أغلبَ القوتين عليه. وتقتضي هذه القوة السير والسلوك (٤)، والزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة، والجِدّ والتشمير في العمل. ويكون أعمى البصر عند ورود الشبهات في العقائد، والانحرافات في الأعمال والأحوال (٥) والمقامات، كما كان الأوَّل ضعيف العقل عند ورود الشهوات. فداءُ هذا من جهله، وداءُ الأوَّل من فساد إرادته وضعف عقله.

وهذا حال أكثر أرباب الفقر والتصوف السالكين على غير طريق العلم، بل على طريق الذوق والوجد والعادة. يُرَى (٦) أحدهم أعمى عن


(١) انظر: مفتاح دار السعادة (١/ ٣٧٨).
(٢) "ك، ط": "يكون". والأصل غير منقوط.
(٣) "ط": "ولا قوة".
(٤) "ب": "السكوت"، تحريف.
(٥) "ب، ك، ط": "الأقوال".
(٦) "ب": "ترى".