للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذه الطريقة عند المحبين المخلصين أولياءِ اللَّه الداعين إلى اللَّه عداوةٌ للَّه في الحقيقة، ومعاونةٌ للشيطان، وقعود على طريق اللَّه المستقيم الذي خلق عباده لأجله وأمرهم به. فالحذرُ من هؤلاء القطَّاع اللصوص (١) حمَلَ أهلَ المحبة على المبالغة في كتمانها، وإظهار التخلي منها بأسباب يُلامون عليها ظاهرًا، وقلوبهم معمورة بالمحبة مأهولة بها.

وهذا الذي ظنّوه غيرةً هو من تلبيس الشيطان، وخدعه لهم، ومكره بهم. وإنَّما هو حسدٌ حمَلَهم على أن تعدوه (٢) وصالوا به وسموه غيرة. وإنَّما غيرة المحبين للَّه أن يغار أحدهم لمحارم اللَّه إذا انتهكت، فيغار للَّه لا على اللَّه، كما قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ اللَّه يغارُ، وإنَّ المؤمن يغارُ. وغيرةُ اللَّه أن يأتي العبدُ ما حرَّم عليه" (٣). فغيرة المحبّ هي الموافقة لغيرة محبوبه، وهي أن يغار مما يغار منه المحبوب. وأمَّا (٤) إذا كان المحبوب يحب من يحبّه (٥)، وهذا يغار ممن يحبه (٦)، فهو في الحقيقة ساعٍ في خلاف مراد محبوبه وفي إعدام ما يحبّه محبوبُه. فأين هذا من الغيرة المحبوبة للَّه؟ وإنَّما هذه غيرة من أخيه المسلم كيف خصَّه اللَّه بعطائه، وألبسَه ثوبَ نعمائه، فهي غيرة منه لا غيرة على اللَّه؛ فإنَّ اللَّه لا يُغار عليه


(١) "ب": "اللصوص القطاع".
(٢) كذا في الأصل و"ف". وضبط في "ك" بتشديد الدال. وفي "ب": "يفدوه". وفي "ط": "يردوه".
(٣) أخرجه البخاري في كتاب النكاح (٥٢٢٣)، ومسلم في التوبة (٢٧٦١) عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه.
(٤) "أما" ساقط من "ط".
(٥) "ط": "المحبوب ممن يحبه"، سقط وغلط.
(٦) "ك، ط": "يحبه اللَّه".