للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

درجتُه بعد التوبة أعلى فإنَّها لا تكون أنزَل.

قالوا: وأيضًا فإنَّا إذا قابلنا بين جناية المعصية والتقرب بالتوبة وجدنا الأثر (١) الحاصل من التوبة أرجَحَ من الأثرِ الحاصل من المعصية، والكلام إنَّما هو في التوبة النصوح الكاملة؛ وجانب الفضل أرجح من جانب العدل، ولهذا كان جانب (٢) العدل آحادًا بآحاد، وجانب الفضل آحادًا بعشرات إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة، وهذا يدلُّ على رجحان جانب الفضل وغلبته. وكذلك مصدرهما من الغضب والرحمة، فإنَّ رحمةَ الربِّ تعالى تغلب غضبَه.

قالوا: وأيضًا فالذنب بمنزلة المرض، والتوبة بمنزلة العافية. والعبد إذا مرض ثمَّ عوفي وتكاملت عافيته رجعت صحّتُه إلى ما كانت، بل ربّما ترجع (٣) أقوى وأكمل ممَّا كانت عليه، لأنَّه ربّما كان معه في حال العافية آلام وأسقام كامنة، فإذا اعتلَّ ظهرت تلك الأسقام، ثمَّ زالت بالعافية جملةً، فتعودُ قوَّته خيرًا ممَّا كانت وأكمل. وفي مثل هذا قال الشاعر:

لعلَّ عتبَك محمودٌ عواقبُه ... وربّما صحَّت الأجسامُ بالعِلَلِ (٤)

وهذا الوجه هو أحد ما احتجَّ به من قال: إنَّه يعود (٥) خيرًا ممَّا كان قبل التوبة.


(١) "الأثر" ساقط من "ط".
(٢) "ك": "إلى جانب العدل آحاد". "ط": "في جانب العدل آحاد".
(٣) "ب، ك": "رجع". "ط": "رجعت".
(٤) للمتنبي وقد سبق في ص (٣٦٧)، غير أنَّ في "ب": "صحت الأجساد".
(٥) "ك، ط": "يعود بالتوبة".