للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبطَش به، ومشى به. فصار محبوبه في وجوده في محلّ سمعه الذي يسمَع به، وبصرِه الذي يُبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها.

هذا مثل محبوبه في وجوده، وهو غير متّحد به، بل هو قائم بذاته مباين له. وهذا المعنى مفهوم بين الناس لا ينكره منهم إلا غليظ الحجاب، أو قليل العلم، ضعيف العقل، يجد محبوبَه قد استولى على قلبه وذكره، فيظن أنه هو نفس ذاته الخارجة قد اتّحدتْ به أو (١) حلَّت فيه. فينشأ من قسوة الأوَّل وكثافته وغِلَظ حجابه (٢)، ومن قلَّة علم الثاني ومعرفته وضعف تمييزه ضلالُ الحلول والاتحاد، وضلالُ الإنكار والتعطيل والحرمان. ويخرج (٣) من بين فَرْثِ هذا ودمِ هذا لبنُ الفطرة الأولى خالصًا سائغًا للشاربين.

الموطن الثالث: عند دخوله في الصلاة. فإنَّها محكّ الأحوال وميزان الإيمان, بها يوزن إيمان الرجل، ويتحفق حاله ومقامه ومقدار قربه من اللَّه ونصيبه منه، فإنَّها محلّ المناجاة والقربة، ولا واسطة فيها بين العبد وبين ربِّه. فلا شيء أقرّ لعين المحبّ ولا ألذ لقلبه ولا أنعم لعيشه منها إن (٤) كان محبًّا، فإنه لا شيء آثر عند المحبّ ولا أطيب له من خلوته بمحبوبه، ومناجاته له، ومثوله بين يديه، وقد أقبل بقلبه على محبوبه، وقد أقبل (٥) محبوبه عليه. وكان قبل ذلك معذَّبًا بمقاساة


(١) "ف": "إذ"، تحريف.
(٢) "ك": "وغلظ حجاب". "ط": "غلظ حجاب".
(٣) زاد في "ط" بين حاصرتين: "للبصير".
(٤) "ك، ط": "إذا".
(٥) "بقلبه. . . " إلى هنا ساقط من "ط".