للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدنيا أمنه يوم القيامة، ومن آمنه في الدنيا ولم يُخِفْه أخافه في الآخرة. وناهيك شرفًا وفضلًا بمقامٍ ثمرتُه الأمنُ الدائمُ المطلَق.

الوجه الثاني عشر: أنَّ الإجلال والمهابة والتعظيم إنَّما لم تزُلْ لأنَّها متعلِّقة بنفس الذات، وهي موجودة في دار النعيم. وأمَّا الخوف فإنَّه إنَّما زال لأنَّه وسيلة إلى توفية العبودية والقيام بالأمر. والوسيلة تزول عند حصول الغاية، ولكنَّ زوالَ الوسيلة عند حصول الغاية لا يدلّ على أنَّها ناقصة. وإذا كانت تلك الغايةُ لا كمال للعبد بدونها، فالوسيلة إليها كذلك.

الوجه الثالث عشر: قوله: "وهذه المعارضة والهيبة تعارض المكاشف أوقات المناجاة، وتصون المشاهد أحيان المشاهدة، وتعصم المعاين (١) بصدمة العزَّة".

فيقال: لا ريب أنَّ الحبّ والأنس المجرَّد عن الإجلال والتعظيم (٢) يبسط النفس، ويحملها على بعض الدعاوى والرعونات والأماني الباطلة، وإساءَة الأدب، والجناية على حقّ المحبَّة. فإذا قارن المحبَّةَ مهابةُ المحبوب، وإجلالُه وتعظيمُه، وشهودُ عزِّ جلاله وعظيمِ سلطانه = انكسرت نفسُه له، وذلَّت لعظمته، واستكانت لعزَّته، وتصاغرت لجلاله، وصَفَتْ من رعونات النفس وحماقاتها، ودعاويها الباطلة، وأمانيها الكاذبة.

ولهذا في الحديث: "يقول اللَّه عزَّ وجلَّ: أين المتحابُّون بجلالي؟


(١) "ط": "المعاني"، تحريف.
(٢) "ط": "التعظيم والإجلال".