للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التعظيم الصادر عن الهيبة والإجلال. هذا (١) حقيقته، فَعُلِمَ أنَّ الخوف من أجلّ مقامات الخواص، وأنَّهم إليه أحوج، وبه أقوم من غيرهم.

الوجه العاشر: قوله: "الخوف يزول بالأمن، والهيبة لا تزول أبدًا" إلى آخره. فيقال: هذا حق، فإنَّ الخوف إنَّما يكون قبل دخول الجنَّة، فإذا دخلوها زال عنهم الخوف الذي كان يصحبهم في الدنيا وفي عرصات القيامة، وبُدِّلوا به أمنًا؛ لأنَّهم قد أمنوا العذاب، فزايلهم الخوفُ منه. ولكن لا يدلّ هذا على أنَّه كان مقامًا ناقصًا في الدنيا، كما أنَّ الجهاد من أشرف المقامات، وقد زالَ عنهم في الآخرة. وكذلك الإيمان بالغيب أجل المقامات على الإطلاق، وقد زال في الآخرة، وصار الأمر شهادة. وكذلك الصلاة والحجّ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبذل النفس للَّه، وهي من أشرف الأعمال، وكلّها تزول في الجنَّة. وهذا لا يدل على نقصانها، فإنَّ الجنة ليست دار سعي وعمل، إنَّما هي دار نعيم وثواب.

الوجه الحادي عشر: أنَّ الخوف إنَّما زال في الجنَّة لأنَّ تعلّقه إنَّما هو بالأفعال لا بالذَّات -كما تقدّم- وقد آمنهم ما كانوا يخافون منه. فقد أمنوا أن يفعلوا (٢) ما يخافون منه، وأن يفعل بهم ربُّهم ما يُخيفهم. ولكن كان الخوف في الدنيا أنفع شيء (٣) لهم، فيه وصلوا إلى الأمن التامّ. فإنَّ اللَّه سبحانه لا يجمع على عبده مخافتَين ولا أمنَين (٤)، فمن خافه في


(١) "ط": "هذه".
(٢) "ك، ط": "أن لا يفعلوا".
(٣) "شيء" ساقط من "ك، ط".
(٤) "ك، ط": "مخافتين اثنتين"، تحريف.