تكمن أهمية هذا الكتاب بالدرجة الأولى في أمرين معًا، وهما: موضوعه، ومؤلفه. فالموضوع -كما سبق- بيان قواعد السلوك والسير إلى اللَّه على المنهج الذي شرعه اللَّه ورسوله، لأن سعادة العبد في الدارين منوطة بهذا السير المستقيم. ولكن الموضوع متداول مطروق في كتب الصوفية، وكلهم يزعم أن القواعد التي يذكرها مؤسسة على الكتاب والسنة. وهنا يكتسب الكتاب أهميته من الأمر الثاني وهو أنه من تأليف إمام ربّاني يصدر في كل مسألة عن كتاب اللَّه وسنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. وهو مع تمسكه الشديد بالكتاب والسنة مطلع على كتب القوم، عارف بغوامضها، قادر على الخوض في دقائقها، ذائق لأحوال السالكين، مشرف على مقامات العارفين، ومن الزهد والورع والتعبد والتألّه في مكان مكين. هذا إلى العدل والنصفة في النقد والحكم، وعدم التحيز إلى فرقة أو حزب أو مذهب. فكون هذا الكتاب في بيان قواعد السلوك المحمدي، ومن تأليف الإمام ابن القيم رحمه اللَّه هو الذي أضفى عليه أهمية بالغة. والحقيقة أن كتب الشيخين ابن تيمية وابن القيم رحمهما اللَّه في تزكية النفس وطب القلوب لتؤلف "منظومة" لا نظير لها في المكتبة الإسلامية.
أمّا المباحث الجليلة التي اشتمل عليها الكتاب فقد سبقت الإشارة إلى أهمية بعضها في الفقرة السابقة. وقد نبّه المؤلف نفسه رحمه اللَّه -نصحًا لقارئ كتابه وشفقة عليه- على أهمية بعض المباحث، نحو قوله خلال الكلام على طبقات المكلفين في الدار الآخرة: "ولا يدري قدر الكلام في هذه الطبقات إلا من عرف ما في كتب الناس، ووقف على