للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المشايخ فقال: أيها الشيخ بأيّ شيء تدفع إبليسَ إذا قصَدَك بالوسوسة؟ فقال الشيخ: إنِّي لا أعرف إبليسَ فأحتاج إلى دفعه، نحن قوم صَرَفْنَا هِمَمَنا إليه، فكفانا ما دونه. وكما قيل (١):

تستَّرتُ عن دهري بظلِّ جناحِه ... فعيني ترى دهري وليس يراني

فلو تسألُ الأيام ما اسميَ ما دَرَتْ ... وأين مكاني ما عَرَفْنَ مكاني" (٢)

فيقال: الكلام على هذا من وجوه:

أحدها: أنَّ جعلَ الزهدِ للعوامِّ لما (٣) ذكره إنَّما يتمّ إذا كان الزهد ملزومًا لمنازعة النفس ومجاذبتها لدواعي الشهوة والهوى، وحينئذٍ فيكون قلبه مشغولًا بتلك الدواير والجواذب، ونفسُه تطالبُه بها، وزهدُه يأمره باجتنابها. ولا ريبَ أنَّ فوق هذا مقامًا (٤) أعلى منه، وهو طمأنينة نفسه وسكونها إلى محبوبها، وانجذابُ دواعيها إلى محابِّه ومرضاته؛ وهذا للخواصّ من المؤمنين، ولكن هذه المنازعة غير لازمة للزهد، وإن كان لا بُدَّ منها في حكم الطبيعة لتحقّق الابتلاءِ والامتحان، وليتحقّق (٥) تركُ العبد حظه وهواه لربّه إيثارًا له على هواه ونفسه.

الثاني: أنَّه ولو كانت هذه المنازعة وحبس النفس عن الملذوذات من


(١) "ط": "قال". البيتان لأبي نواس في ديوانه (٤٦٩). وقوله: "بظل جناحه" يعني به جناح الممدوح. وقد تمثَّل بهما المصنف في مدارج السالكين (٣/ ١٨٣).
(٢) محاسن المجالس (٧٨ - ٧٩).
(٣) "ب": "كما". "ك": "ما".
(٤) في الأصل و"ف": "مقام" بالرفع. والمثبت من "ب، ك، ط".
(٥) "ف": "ولتحقق"، خلاف الأصل.