للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأمَّا مقام الإيمان والهدى والنجاة فمقام إثبات القدر والإيمان به، وإسناد جميع الكائنات إلى مشيئة ربها وبارئها وفاطرها، وأنَّه (١) ما شاء كان وإن لم يشأ الناس، وما لم يشأ لم يكن وإن شاءه (٢) الناس. وهذه الآثار التي ذكرت (٣) كلها تُحقِّق هذا المقام، وتبيِّن أن من لم يؤمن بالقدر فقد أنسلخ من التوحيد، ولبس جلباب الشرك، بل لم يؤمن باللَّه ولم يعرفه، وهذا في كل كتابِ أنزله اللَّه على كلِّ رسولٍ أرسله (٤).

وأمَّا المقام الثاني -وهو مقام الضلال والردى والهلاك- فهو الاحتجاجُ به على اللَّه (٥)، وحملُ العبدِ ذنبَه على ربه، وتنزيهُ نفسه الجاهلة الظالمة الأمَّارة بالسوء، وجعلُ أرحمِ الراحمين وأعدلِ العادلين وأحكمِ الحاكمين وأغنى الأغنياء أضرَّ على العباد من إبليس؛ كما صرَّح به بعضهم، واحتجَّ عليه بما خصَمه فيه من لا تدحَض حجَّتُه ولا تطاق مغالبتُه، حتَّى يقول قائلُ هؤلاء:

ألقاه في اليمِّ مكتوفًا وقال له ... إيَّاكَ إيَّاكَ أن تبتلَّ بالماءِ (٦)


(١) "ك، ط": "وأنّ".
(٢) "ك، ط": "شاء".
(٣) "التي ذكرت": ساقط من "ط".
(٤) "ط": "على رسله".
(٥) "ط": "على ذنبه على اللَّه".
(٦) أنشده المؤلف في مدارج السالكين (١/ ٢٦٢)، وشفاء العليل (٢٠)، وهو منسوب إلى الحلاج في وفيات الأعيان (٢/ ١٤٣). وأثبت في "طـ" بيتًا آخر قبله:
ما حيلة العبد والأقدارُ جاريةٌ ... عليه في كلِّ حال أيها الرائي
وهما في ديوانه (٢٦).