للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأصبحَ حُرًّا في غنًى ومهابةٍ ... على وجهه أنوارهُ وضياؤه

وإن فاتَهُ مولاه جلَّ جلالُه ... تباعدَ ما يرجو، وطال عناؤه (١)

ومن وصل إلى هذا الغنى قرَّت به كل عين لأنَّه قد قرَّت عينُه باللَّه والفوز بوجوده، ومن لم يصل إليه تقطعتْ نفسُه على الدنيا حسرات. وقد قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ أَصْبَحَ والدُّنْيَا أكبرُ همِّه جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْه، وَشَتَّتَ عَلَيْه شَمْلَهُ، وَلَمْ يأْتِه من الدُّنْيا إلا ما قُدِّرَ له. ومَنْ أَصْبَحَ والآخِرَةُ أَكْبَرُ هَمِّه جَعَلَ اللَّه غِنَاهُ في قَلْبهِ، وَجَمَعَ عليه شَمْلَه، وأَتَتْهُ الدُّنيا وهي رَاغِمَةٌ، وكان اللَّهُ بِكُلِّ خيرٍ إليه أَسْرَعَ" (٢).

فهذا هو الفقر الحقيقي والغنى الحقيقي، وإذا كان هذا غنى من كانت الآخرةُ أكبرَ همِّه، فكيف من كان اللَّه عزَّ وجلَّ أكبرَ همِّه، فهذا من باب التنبيه والأَولى.

[فصل في ذكر كلمات عن أرباب الطريق في الفقر والغنى]

* قال يحيى بن معاذ (٣): "الفقر أن لا يستغني بشيء غير اللَّه،


(١) أثبت ناشر "ط" البيتين نثرًا، والبيت الأوَّلى ذكره المصنف في إغاثة اللهفان (٩٣٣)، وفيه: "حرًّا عزَّةً وصيانةً".
(٢) من حديث زيد بن ثابت، أخرجه أحمد (٢١٥٩٠) مطوَّلًا، والترمذي (٢٦٥٦)، وأبو داود (٣٦٦٠) مختصرًا، وابن ماجه (٤١٠٥) مطوَّلًا، وابن حبان (٦٧) مختصرًا. وليس عندهم لفظ "وكان اللَّه بكل خير إليه أسرع"، والحديث حسَّنه الترمذي، وصححه ابن حبان والبوصيري. وقد جاء الحديث عن أنس وأبي هريرة نحوه (ز).
(٣) الرَّازي أبو زكريا، الواعظ، من كبار المشايخ. مات في نيسابور سنة (٢٥٨ هـ). =