للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل الدرجة الثالثة من درجات الغنى بالربّ جلَّ جلاله: الفوز بوجوده.

هذا الغنى أعلى درجات الغنى؛ لأنَّ الغنى الأوَّل والثاني كانا من آثار ذكر اللَّه والتوجّه، ففاض على القلب في صدق توجهه (١) أنوارُ الصفات المقدَّسة، فاستغنى (٢) القلبُ بذلك، وحصل (٣) له أيضًا أنوار الشعور بكفالته وكفايته لعبده، وحسن وكالته له (٤)، وقيوميته بتدبيره، وحسن تدبيره، فاستغنت النفس بذلك أيضًا.

وأمَّا هذا الغنى الثالث الذي هو "الغنى بالحق" فهو من آثار وجود الحقيقة، وهو إنَّما يكون بعد ترقيه من آثار الصفات إلى آثار وجود الذات. وإنَّما يكون هذا الوجود بعد مكاشفة عينِ اليقين عندما يطلعِ فجرُ التوحيد، فهذا أوَّله. وكمالُه عند طلوع شمسه، فيتقطع (٥) ضبابُ الوجود الفاني، وتُشرق شمسُ الوجود الباقي، فيتقطَّع (٦) لها كل ضباب. وهذا عبارة عن نور يُقذَف (٧) في القلب يُكشَف له بذلك النور عن عظَمةِ الذَّات، كما كُشِف له بالنور الذي قبلهَ عن عظمة الصفات.

فإذا كان أثرٌ من آثار صفات الذَّات أو صفات الأفعال يُغني القلبَ


(١) "ن": "من صدق. . . ". "ك، ط": "من صدق التوجه".
(٢) "ط": "واستغنى".
(٣) "ك، ط": "وجعل"، تحريف.
(٤) "له" ساقط من "ك، ط".
(٥) هذه قراءة "ف". وفي "ك، ط": "فينقطع".
(٦) هذه قراءة "ف". وفي "ك، ط": "فينقطع".
(٧) في حاشية "ف" إشارة إلى أن في نسخة: "يقذفه".