للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتقدير في النفس، وإلا فالحقيقة الخارجية تكذِّب هذا الخيال الباطل. بل لو صُبَّ عليه أدنى شيء من عذابه لصاح واستغاث وطلب العفو والعافية. وحكمة اللَّه سبحانه تقتضي تعجيز هذه النفوس الجاهلة الرعِنة الحمِقة (١) بأدنى شيء يكون من الألم والوجع، حتَّى يتبين لها دعاويها الكاذبة، وشطحها الباطل.

وهذا سيّد المحبّين وسيّد ولد آدم، استعاذتُه باللَّه (٢) من عذابه وبلائه، وسؤالُه عافيتَه ومعافاتَه معلومةٌ في أدعيته وتضرّعه إلى ربه وابتهاله إليه في ذلك، وهي أكثر وأشهر من أن تذكر ههنا. أفما (٣) في سيّد المحبّين أسوة وقدوة؛ ولكن قد ابتلي كثير من أهل الإرادة بالشطح، كما ابتلي كثيرٌ من أهل الكلام بالشكّ. والمعافى مَن عافاه اللَّه من هذا وهذا، فنسأل اللَّه عافيتَه ومعافاتَه.

الوجه السابع: قوله: "إنَّ عذاب الكافرين إنَّما كان شديدًا لأنَّهم لا يشاهدون المعذِّب لهم، والمؤمنون يشاهدونه فلم يكن عذابهم شديدًا" ليس كذلك، فإنَّ عذاب الكافرين شديد في نفسه لِغلَظِ جُرمهم وهو الكفر، وهو دائم لا انقطاع له. وأمَّا المؤمنون الذين يعذَّبون بذنوبهم فعذابهم أضعف من عذاب الكافرين؛ لأنَّ عذابهم على الذنوب وهي دون الكفر، وهو منقطع. والآية لم يُرَدْ بها إثباتُ عذاب المؤمنين دون عذاب (٤) الكافرين، وإنَّما سيقت لبيان عذاب الكافرين حسبُ،


(١) كذا في الأصل وغيره. ولم تذكر كتب اللغة وصفًا من الرعونة إلّا "الأرعن" ومؤنثه "الرعناء". وفي "ط": "الرعناء والحمقاء".
(٢) "ف": "استعاذ باللَّه"، سهو.
(٣) "ط": "وإنَّ".
(٤) "عذاب" ساقط من "ف".