للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

له: "قل اللهمَّ إنِّي ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوبَ إلا أنتَ، فاغفر لي مغفرةً من عندك وارحمني، إنَّك أنت الغفور الرحيم" (١). فأخبر عن ظلمه لنفسه مؤكِّدًا له بـ "إنَّ" المقتضيةِ ثبوتَ الخبر وتحقّقه، ثمَّ أكدَّه بالمصدر النافي للتجوُّز والاستعارة، ثمَّ وصفه بالكثرة المتقضية لتعدّده وتكثّره. ثم قال: "فاغفر لي مغفرةً من عندك" أي: لا ينالها عملي ولا سعيي، بل عملي يقصر عنها، وإنَّما هي من فضلك وإحسانك، لا بكسبي ولا باستغفاري وتوبتي. ثمَّ قال: "وارحمني" أي: ليس معوّلي إلا على مجرد رحمتك، فإن رحمتَني وإلا فالهلاك لازم لي. فليتدبّر اللبيب هذا الدعاءَ وما فيه من المعارف والعبودية، وفي ضمنه: إنَّك (٢) لو عذَّبتني لعدلتَ فيَّ ولم تظلمني، وإنِّي لا أنجو إلا بمغفرتك ورحمتك (٣).

ومن هذا قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لن يُنجيَ أحدًا منكم عملُه" قالوا: ولا أنت يا رسول اللَّه؟ قال: "ولا أنا إلا أن يتغمّدني اللَّهُ برحمةِ منه وفضل" (٤). فإذا كان عملُ العبد لا يستقلّ بالنجاة، فلو لم يُنجه اللَّه لم يكن (٥) قد بخسه شيئًا من حقّه ولا ظَلَمه، فإنَّه ليس معه مَا يقتضي نجاتَه، وعملُه ليس وافيًا بشكر القليل من نِعَمه، فهل يكون ظالمًا له لو


(١) أخرجه البخاري في كتاب الأذان (٨٣٤) وغيره، ومسلم في الذكر والدعاء (٢٧٠٥).
(٢) "ط": "أنّه".
(٣) "ط": "برحمتك ومغفرتك". ولشيخ الإسلام رسالة في شرح هذا الحديث ضمن "جامع المسائل" (٤/ ٢٣ - ٦٩).
(٤) أخرجه البخاري في كتاب الرفاق (٦٤٦٣) وغيره، ومسلم في صفات المنافقين (٢٨١٦) عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه.
(٥) "ط": "فلم يكن"، خطأ.