للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

المثال الثاني: الزهد. قال أبو العباس رحمه اللَّه (١): "هو للعوامّ أيضًا؛ لأنَّه حبسُ النفس عن الملذوذات، وإمساكها عن فضول الشهوات، ومخالفة دواعي الهوى، وترك ما لا يعني (٢) من الأشياء. وهذا نقص في طريق الخاصَّة، لأنَّه تعظيم للدنيا، واحتباس عن انتقادها، وتعذيب للظاهر بتركها مع تعلّق الباطن بها. والمبالاةُ بالدنيا عين الرجوع إلى ذاتك، وتضييع الوقت في منازعة نفسك وشهودِ حِسك (٣) وبقائك معك. ألا ترى إلى من أعطاه اللَّه الدنيا بحذافيرها كيف قال (٤): {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٩)} [ص/ ٣٩]؟ وذلك حيث عافى (٥) باطنه من شهودها، وظاهره من التعلّق بها، فالزهد صرفُ الرغبة إليه، وتعلّق الهمَّة به، والاشتغال به عن كلِّ شيء يشغل عنه، ليتولَّى هو حسمَ (٦) هذه الأسباب عنك. كما قيل: إنَّ بعض المريدين سأل بعض


(١) هو ابن العريف صاحب محاسن المجالس. انظر ما سبق في ص (٤٧٤).
(٢) في الأصل: "يغني" بالغين المعجمة وكذا في "ف". ولعله سهو، والصواب بالمهملة، كما في "ب، ك"، وفي محاسن المجالس.
(٣) "ك": "جسك". "ط": "جنسك"، تصحيف.
(٤) كذا وقع في الأصل وغيره، وهو غير مستقيم، فإنَّ قوله تعالى: {هَذَا عَطَاؤُنَا} ليس من كلام سليمان عليه السلام. والصواب كما ورد في كتاب المحاسن: "ألا ترى إلى قوله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا} الآية وإلى قوله لمن أعطاه الدنيا بحذافيرها. . . ".
(٥) في الأصل: "غافله" بالغين المعجمة، ولا معنى له. وكذا في "ف". وفي "ب": "عافى له". والمثبت من كتاب المحاسن و"ط".
(٦) كتب ناسخ "ف": "مسم"، وقال في الحاشية: "لعله فسخ"، والصواب ما أثبتنا من الأصل وغيره.