للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما حصلَ له يوم القيامة من الندم المفرِط عليها مع العقوبة اقتضى (١) زوال أثرها وتبديلها حسناتٍ، فإنَّ النَّدم لم يكن في وقت ينفعه، فلمَّا عوقب عليها وزال أثرُها بدَّلها اللَّه له حسناتٍ، فزوالُ أثرها بالتوبة النصوح أعظمُ من زوال أثرها بالعقوبة، فإذا بدلت بعد زواله بالعقوبة حسناتٍ، فلأن تُبَدَّل بعد زوالها بالتوبة حسناتٍ أولى وأحرى. وتأثير التوبة في هذا المحو والتبديل أقوى من تأثير العقوبة، لأنَّ التوبة فعل اختياري أتى به العبدُ طوعًا ومحبَّة للَّه وفرَقًا منه. وأمَّا العقوبة فالتكفير بها من جنس التكفير بالمصائب التي تصيبه بغير اختياره (٢)، بل بفعل اللَّه، ولا ريب أن تأثيرَ الأفعال الاختيارية التي يحبها اللَّه ويرضاها في محو أثر الذنوب (٣) أعظمُ من تأثير المصائب التي تناله بغير اختياره.

ولنرجع الآن إلى المقصود، وهو الكلام على (٤) ما ذكره أبو العبّاس ابن العريف في علل المقامات. فقد ذكرنا كلامَه في علَّة مقام الإرادة والكلامَ عليه، وذكرنا كلامه في مقام الزهد وقوله إنَّه من مقامات العامَّة (٥)، وذكرنا أنَّ الكلامَ على ذلك من وجوه، هذا آخرُ الوجه الثاني منها (٦).

الوجه الثالث أن يقال: قوله: "الزهد تعظيم للدنيا، واحتباس عن


(١) "ط": "لا يقتضي"، ولعلَّه تغيير من الناشر.
(٢) "ب": "بلا اختياره".
(٣) "ك، ط": "محو الذنوب". "ب": "محو أثر الذنب".
(٤) "الكلام على" ساقط من "ط".
(٥) "والكلام عليه. . . " إلى هنا ساقط من "ك، ط".
(٦) وقد سبق أوّله في ص (٤٩٣).