للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا قوله تعالى: {فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ} [التوبة/ ١١١] فهذا إنَّما قاله للشاكرين الذين يقاتلون في سبيله فيَقتُلون ويُقتَلون. ثمَّ وصفهم بعد ذلك بقيامهم بأعمال الشكر فقال: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٢)} [التوبة/ ١١٢] فهؤلاء هم (١) المستبشرون ببيعهم. جعلنا اللَّه منهم بمنِّه وكرمه.

فصل [محبتهم]

قال: "ومحبتهم فناؤهم في محبَّة الحقِّ، {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ}؟ " (٢).

وقد تقدَّم الكلام على هذا بما فيه كفاية (٣). وبيّنَّا أنَّ البقاء في المحبة أفضل وأكمل من الفناء فيها من وجوه متعدّدة، وأنَّ الفناء إنَّما هو لضعف المحِبّ عمَّا حمل. وأمَّا الأقوياءُ فهم -مع شدَّة محبتهم- في مقام البقاءِ والتمييز.

وأمَّا استدلاله بقوله تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس/ ٣٢]، فالآية إنَّما سيقت في الإنكار (٤) على من يعبد غير اللَّه ويشرك به. قال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ


(١) "هم" ساقط من "ك، ط". وفي "ط": "المستبشرين"، خطأ.
(٢) محاسن المجالس (٩٦).
(٣) انظر: ص (٧٠٣ - ٧٠٥).
(٤) "ط": "في الكلام"، تحريف.