للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واستعانتهم بنعمه على محابّه. قال تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} [سبأ/ ١٣]. وقال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لما قيل له: أتفعل هذا وقد غفر اللَّه لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخَّر؟ قال: "أفلا أكونُ عبدًا شكورًا؟ " (١). فسمَّى الأعمال شكرًا، وأخبر أنَّ شكرَه قيامُه بها ومحافظتُه عليها. فحقيقة الشكر هو الثناء على المنعم، ومحبّتُه، والعملُ بطاعته، كما قال:

أفادتكم النعماءُ عندي ثلاثةً ... يدي ولساني والضميرَ المحجَّبا (٢)

فاليد للطاعة، واللسان للثناءِ، والضمير (٣) للحبّ والتعظيم. وأمَّا السرور به وإن كان من أجلّ المقامات، فإنَّ العبد إنَّما يُسَرُّ بمن هو أحبّ الأشياء إليه؛ وعلى قدر حبّه له يكون سرورُه به (٤). فهذا (٥) السرور ثمرة الشكر، لا أنَّه نفس الشكر. وكذلك (٦) الاستبشار والفرح بلقائه إنَّما هو ثمرة الشكر وموجَبه. وهو كالرضا من التوكّل، وكالشوق من المحبة، وكالأنس من الذكر، وكالخشية من العلم، وكالطمأنينة من اليقين؛ فإنَّها ثمرات لها وآثار وموجَبات. فعلى قدر شكره للَّه بالأعمال الظاهرة والباطنة وتصحيح العبودية، يكون سروره به (٧) واستبشاره بلقائه.


(١) أخرجه البخاري (٤٨٣٦) في التفسير وغيره، ومسلم (٢٨٢١) في كتاب صفات المنافقين، عن المغيرة بن شعبة رضي اللَّه عنه.
(٢) "عندي" كذا في الأصل و"ف". والمشهور "منّي" كما في "ب، ك"، وعدة الصابرين (٢٥٢)، وقد أنشده الزمخشري في الكشاف (١/ ٨)، وربيع الأبرار (٤/ ٣١٨).
(٣) "ف": "القلب"، خلاف الأصل.
(٤) "به": ساقط من "ك، ط".
(٥) "ب، ك، ط": "وهذا".
(٦) "ك، ط": "فكذلك".
(٧) "به" ساقط من "ك، ط".