للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمقصود أنَّ هذا الفرح من اللَّه بتوبة عبده -مع أنَّه لم يأتِ نظيرُه في غيرها من الطاعات- دليلٌ على عِظَمِ قدرِ التوبة وفضلها عند اللَّه، وأنَّ التعبّد له بها من أشرف التعبّدات. وهذا يدلّ على أنَّ صاحبها يعود أكملَ ممَّا كان قبلها.

فهذا بعض ما احتُجَّ به لهذا القول.

وأمَّا الطائفة التي قالت: لا يعودُ إلى مثل ما كان، بل لا بدَّ أن ينقص عن حاله (١)، فاحتجّوا بأنّ الجناية تُوجب الوحشةَ وزوالَ المحبّة ونقصَ العبوديّه بلا ريب، فليس العَبد الموفر أوقاتَه على طاعة سيّده كالعبد المفرّط في حقوقه، وهذا ممّا لا يمكن جحده ومكابرته. فإذا تاب إلى ربّه ورجع إليه أثرت توبتُه تركَ مؤاخذته بالذنب والعفوَ عنه، وأمّا مقام القرب والمحبّة، فهيهات أن يعود!

قالوا: ولأنّ هذا في زمن اشتغاله بالمعصية قد فاته فيه السيرُ إلى اللَّه. فلو كان واقفًا في موضعه لفاته التقدّمُ، فكيف وهو في زمن المعصية (٢) كان سيرُه إلى وراءَ وراءَ؟ فإذا تاب واستقبل سيره، فإنَّه يحتاج إلى سير جديد وقطع مسافةٍ حتّى يصل إلى الموضع الذي تأخّر منه.

قالوا: ونحن لا ننكر أنّه قد يأتي بطاعات وأعمال تبلّغه إلى منزلته، وإنّما أنكرنا أن يكون بمجرّد التوبة النصوح يعود إلى منزلته وحالته (٣). وهذا ممّا لا يكون، فإنّه بالتوبة قد وجّه وجهَه إلى الطريق، فلا يصل إلى


(١) "عن" ساقط من "ك، ط".
(٢) "فلو كان واقفًا. . " إلى هنا ساقط من "ب". وفيها: "وكان سيره إلى. . . ".
(٣) "وإنَّما أنكرنا. . . " إلى هنا ساقط من "ط".