للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأيضًا: فإنّه كلّما عظم المطلوب كثرت العوارض والموانع دونه. هذه سنّة اللَّه في الخلق. فانظر إلى الجنّة وعِظَمها، وإلى الموانع والقواطع التي حالت دونها حتّى أوجبَتْ أن ذهب من كلِّ ألف رجلٍ واحدٌ إليها. وانظر إلى محبّة اللَّه، والانقطاع إليه، والإنابة إليه (١)، والتبتّل إليه وحده، والأنس به، واتخاذه وليًّا ووكيلًا وكافيًا وحسيبًا؛ هل يكتسب العبد شيئًا أشرف منه؟ وانظر إلى القواطع والموانع الحائلة دونه، حتّى قد تعلّق كل قوم بما تعلّقوا (٢) به دونه. والطالبون له منهم الواقف مع عمله (٣)، والواقف مع علمه، والواقف مع حاله، والواقف مع ذوقِه وجمعيّته وحظِّه من ربّه؛ والمطلوبُ منهم وراء ذلك كلّه.

والمقصود أنَّ هذا الأمر الحاصل بالتوبة لما كان من أجلِّ الأمور وأعظمها نُصِبَتْ عليه المعارضاتُ والمحن، ليتميّز الصادق من الكاذب، وتقع الفتنة، ويحصل الابتلاءُ، ويتميّز من يصلح ممَّن لا يصلح (٤). قال تعالى: {الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (٣)} [العنكبوت/ ١ - ٣] وقال تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك/ ٢]. ولكن إذا صبر على هذه العصرة قليلًا أفضَتْ به إلى رياضِ الأُنس وجنَّات الانشراح؛ وإنْ لم يصبر لها انقلب على وجهه. واللَّه الموفّق، لا إله غيره، ولا ربَّ سواه.


(١) "إليه" ساقط من "ب".
(٢) "ب": "قد تعلّقوا".
(٣) "ب": "علّة"، تحريف.
(٤) "ب": "ويتميّز من لا يصلح". فأسقط بعض الكلام.