للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتوكل عليه، والإنابة إليه، والسكون (١) إليه، والتذلّل والانكسار بين يديه؛ عن تعلّق ذلك منهم بغيره.

فإذا وضع أحدُهم جنبَه على مضجعه صعدت أنفاسه إلى إلهه ومولاه، واجتمع همُّه عليه (٢)، متذكِّرًا صفاته العلى وأسماءَه الحسنى، مشاهدًا له في أسمائه وصفاته، قد تجلَّت على قلبه أنوارها، فانصبغ قلبُه بمعرفته ومحبّته، فبات جسمه في فراشه يتجافى عن مضجعه، وقلبُه قد أوى إلى مولاه وحبيبه، فآواه إليه، وأسجدَه بين يديه خاضعًا خاشعًا ذليلًا منكسرًا من كلِّ جهة من جهاته. فيا لها سجدةً ما أشرفها من سجدة، لا يرفع رأسه منها إلى يوم اللقاءِ!

وقيل لبعض العارفين: أيسجد القلب بين يدي ربِّه؟ فقال (٣): "إي واللَّه، سجدةً (٤) لا يرفع رأسه منها إلى القيامة! " (٥).

فشتّان بين قلبٍ يبيت عند ربِّه، قد قطع في سفره إليه بيداءَ الأكوان وخرق حُجُبَ الطبيعة، ولم يقف عند رسم، ولا سكن إلى علَم، حتَّى دخلَ على ربِّه في داره، فشاهد (٦) عزَّ سلطانه، وعظمة جلاله، وعلوَّ


(١) "ف": "الشكوى"، تحريف.
(٢) "ك": "إليه".
(٣) "ط": "قال"
(٤) "ك، ط": "بسجدة".
(٥) "ب، ك، ط": "يوم القيامة". وقد نقل المؤلف هذا القول في مدارج السالكين (١/ ٥٠٩). وسيأتي مرة أخرى في هذا الكتاب ص (٦٦٢). وهو من كلام سهل بن عبد اللَّه التستري كما في مجموع الفتاوى (٢١/ ٢٨٧ و ٢٣/ ١٣٨).
(٦) "ف": "مشاهدًا"، تحريف.