للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا مع الشوق الناشئ عن طلب اللقاء والرؤية والمعرفة العيانية، فإذا كان القلبُ (١) حاضرًا عند ربِّه، وهو غير غائب عنه، لم يوجب له هذا أن لا يكون مشتاقًا إلى لقائه ورؤيته، بل هذا يكون أتمّ لشوقه وأعظم.

فظهر أنَّ قوله "إنَّ الشوق علَّة عظيمة في طريق الخواصّ" كلام باطل على كلِّ تقدير، وأنَّ الشوق بالحقيقة إنَّما هو شوق الخواصّ العارفين باللَّه. والعبد إذا كان له مع اللَّه حال أو مقام، وكُشِفَ له عمَّا هو أفضل منه وأجلّ؛ اشتاق إليه بالضرورة، ولم يكن شوقه علَّةً له ونقصًا في حاله، بل زيادةً وكمالًا؛ ويكون ترك الشوق هو العلَّة. وقد تقدَّم أنه (٢) لا غاية للمعرفة تنتهي إليها، فيبطلَ الشوق بنهايتها؛ بل لا يزال العارف في مزيد من معرفته وشوقه. واللَّه المستعان.

فصل وأمَّا المسألة الثالثة وهي: هل يزول الشوق باللقاء أم يقوى؟ (٣)

فقالت طائفة: الشوق يزول باللقاء، لأنَّه طلب، فإذا حصل المطلوب زال الطلب؛ لأنَّ تحصيل الحاصل محال، ولا معنى للشوق إلى شيء حاصل، وإنَّما يكون الشوق إلى شيء مراد الحصول محبوب الإدراك.


(١) "ب": "العبد".
(٢) "ك، ط": "أن".
(٣) ذكر المؤلف في مدارج السالكين (٢/ ٧٤) أنه استوعب الكلام على هذه المسألة في كتابه الكبير في المحبة، وفي "سفر الهجرتين". يعني هذا الكتاب. وانظر: المدارج أيضًا (٣/ ١٦).